الجذور التاريخية لبناء الفكر الدستوري كمرجعية سياسية

تعتبر البلاد التونسية واحدة من مناطق حوض المتوسط التي عرفت حضارات مختلفة جاءت من الشرق حينا ومن الغرب أحيانا وهنا نشير إلى الحضارة القرطاجنية ذات الأصول الشرقية ثم الرومان والوندال والبيزنطيون ثم بعد ذلك الحضارة العربية الإسلامية.وهي حضارات اكسبت التونسي شخصية ثرية وكان التونسيون القدامى مساهمين بشكل كبير في كل الانجازات التي حصلت في كل المراحل التاريخية
باعتبارهم اصحاب الارض الاصليين الذين يتقبلون الحضارات الاخرى ويتعاونون مع الوافد من اجل مصالح مشتركة
ولقد مثلت تونس عبر التاريخ إحدى أهم مناطق التسامح الديني والتفتح على الاخر وأثّرت وتأثرت وأثرت الحضارة الإنسانية عموما حضارة الحوض المتوسط على وجه الخصوص.
ولقد كان الإصلاح السمة البارزة لهذه البلاد منذ أقدم العصور فقد نوه الفيلسوف أرسطو طاليس بتنظيمات قرطاج السياسية ومثله فعل المؤرخ الروماني بوليبيوس. وما يجب التأكيد عليه أن القرن يعتبر قرن الإصلاح في تونس لما عرفه من مصلحين أمثال خير الدين باشا، أحمد ابن أبي الضياف وبعض البايات من إصلاحات تعتبر رائدة للإيالة التونسية آنذاك.
ومن أهم الإصلاحات التي كانت وليدة القرن 19 نذكر إصلاحات المشير أحمد باي التي مست الجانب الاجتماعي أو ما عرف بإلغاء الرق في عهد أحمد باي سنة 1846. فبعد زيارته لفرنسا بمعية أحمد ابن أبي الضياف صاحب كتاب “إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان” عاد إلى تونس وأصدر أمره بإلغاء الرق. كان ذلك قبل إلغاء الرق بالولايات المتحدة الأمريكية بمقتضى التنقيح الثالث عشر للدستور والذي صار نافذا منذ 18 ديسمبر 1865 في أعقاب حرب أهلية عنيفة دارت رحاها بين الشمال والجنوب.
ولئن قيل حول إلغاء الرق بتونس أنه جاء لتلبية رغبات الدول الغربية وأنه لم يتم تطبيقه بالشكل المطلوب وحتى من رجال الدولة المستنيرين أمثال خيرالدين، فإنه يحتوي على جرأة وإرادة في التغيير ورفض للواقع كان مصدر فخر وتباه لتونس خاصة وأن هذه المسألة كانت لاتزال مطروحة في الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك.
ومهما يكن من أمر فإن المسيرة الإصلاحية سارت إلى الامام. إذ بصدور عهد الأمان يوم 9 سبتمبر 1857 تم تضمين عديد المبادئ الكونية لعل من أهمها ما تضمنته المادة الأولى من “تأ كيد الأمان لسائر رعيتنا وسكان إيالتنا على اختلاف الأديان والألسنة والألوان في أبدانهم المكرمة أموالهم المحرمة وأعراضهم المحترمة إلا بحق يوجبه نظر المجلس بالمشورة ويرفعه إلينا، ولنا النظر في الإمضاء أو التخفيف ما أمكن أو الإذن بإعادة النظر”.
هذه الخطوة شكلت إحدى لبنات التحديث في تونس والذي سيعرف نسقا أسرع في نهاية القرن 19 لعل أشهرها إن لم نقل أهمها دستور 1861 الذي تم إصداره في عهد محمد الصادق باي (1859 -1882) وهو أول دستور تونسي بدأ العمل به يوم 26 أفريل 1861.
ينص هذا الدستور إجمالا على تنظيم الحياة السياسية وذلك بالفصل بين السلط الثلاث والحد من سلطة الباي الذي وإن بقيت السلطة التنفيذية بيده إلا أنه فقد بعض صلاحياته. أما عن السلطة التشريعية فقد أصبحت مشتركة بين الباي والمجلس الأكبر.
كان هذا الدستور قد شكل سابقة تاريخية للبلاد التونسية على اعتبار أنها أول بلد عربي إسلامي يصدر دستورا. لكن هذا النص الثوري على أهمية ما احتواه من أحكام أهمل وأوقف العمل به سنة 1864.
أقل ما يمكن قوله حول هذين النصين القانونيين (دستور 1861 و عهد الأمان1857) هو أن ما جاءا به ثوري لأن مجمل مبادئه تعتبر معاصرة بل إن البعض منها نادى به الشعب التونسي في ثورة 2014. وأضرب مثلا على ذلك ضمان الأمن للسكان أو المساواة أمام القانون والأداءات… بل إن بعض تلك الأحكام أكثر تحررا وثورية من دستورنا الحالي ومن منظومتنا القانونية الحالية. فمن أحكام تمنح الأجانب الحق في امتلاك الأراضي إلى أحكام تنص على المساواة بين السكان دون تمييز في الدين واللغة واللون…
ذلك فضلا عن تأسيس مدرسة باردو الحربية و المدرسة الصادقية بمدينة تونس في 13 جانفي 1875 والتي تدرّس مختلف العلوم والفنون في إطار برامج محددة ومضبوطة وتحديثية إلى جانب التجربة الزيتونية.
وقد اصبح المخيال الشعبي يعتبر الفكر الدستوري هو الفكر التونسي الداعي للتطور والحداثة والتمسك بالهوية التونسية …
مع المحاولات المتكررة في التجديد والاجتهاد في الشريعة الإسلامية، بما يتلاءم مع ظروف العصر وأحوال المسلمين، ويتفق مع ثوابت الشريعة، ودعا علماء الأمة إلى توسيع مفهوم السياسة الشرعية، وعدم قصرها على ما ورد فيه نصٌّ من كتاب الله وسنة رسوله، وذكّرهم بمناهج السلف في هذا المجال الذين جعلوا نطاق السياسية الشرعية يتسع ليشمل كل ما لا يخالف الكتاب والسنة وإن لم يرد نص فيه؛ لأن في ذلك تحقيقَ مقصد من مقاصد الشريعة.
الثانية: ضرورة الأخذ بالمعارف وأسباب العمران الموجودة في أوروبا؛ لأنها طريق المجتمع إلى النهوض، وإذا كان هذا الطريق يتطلب تأسيس الدولة على دعامتيْ الحرية والعدل، فإن هاتين الدعامتين تُعدان أصليتيْن في الشريعة الإسلامية، وليستا غريبتين عن المجتمعات التي ينادي بإصلاحها خير الدين.
وقد برز عددكبير من المصلحين والمفكرين الذين ساهموا في الإصلاح الشامل الذي يقوم على أساس تحقيق العدل والمساواة في حكم الرعية، ورفع مظاهر الظلم والتعسف عن كاهله، واحترام حقوقه الإنسانية، ولن يتحقق هذا إلا من خلال نظام حكم يقوم على الشورى، وتعدد مؤسسات الحكم، وعدم انفراد شخص مهما أوتي من قدرة وكفاءة وحسن سياسة في تصريف شؤون البلاد وإدارة أمور الرعية؛ لأن في الاستبداد والانفراد مدعاة للتفريط في الحقوق.في مقابل ذلك اشترط أن تكون الأمّة واعية مستنيرة تدرك مسؤولياتها، وتحسن ممارسة حريتها، وتراقب سير أمور الحكم، وتطالب بما لها من حقوق.
ولما بدأ الشعب التونسي يعتاد على المسار الإصلاحي فاجأه الاستعمار الفرنسي والذي تسلل الى البلاد عن طريق إجبار الباي محمد الصادق باي على توقيع معاهدة باردو في12 ماي 18

 

يكتب اليكم. نورالدين بلقاسم

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*