لا شكّ أن التراث يمثّل الذّاكرة الحيّة للفرد وللمجتمع، ويمثّل بالتالي هويّةً يتعرّف بها الناس على شعْبٍ من الشعوب؛ كما أن التراث بقيمه الثقافية،والاجتماعية يكون مصدرا تربويا، وعلميا، وفنيا، وثقافيا، واجتماعيا..ذلكم أن تراكم الخبرات يُكوّن الحضارة، وتراكم المعلومات يُكوّن الذاكرة، وهذه الذاكرة بدورها
« … هي التي تمكّننا من فهْم العالم، بأن تربط بين خبرتنا الراهنة، ومعارفنا السابقة عن العالم وكيف يعمل. » ولهذه الذاكرة كما للتراث الثقافي علاقةٌ طردية مع الإبداع لدى الأفراد والمجتمعات. حيث أن لكل شعب موروثاته الخاصة به، والتي توارثها شفهيا، أو عمليا، أوعن طريق المحاكاة او التدوين .. ليكون بمثابة فنون نتجت عن التفاعل ما بين الأفراد والجماعة، والبيئة المحيطة خلال الأزمان الماضية، ومع مرور الزمن تحولت إلى إنتاجٍ جماعي يختزن خبرات الأفراد والجماعات،وبقدْر ما هو مخْيالٌ للجماعة فإنه جدارٌ متينٌ لحفْظ هويّتها، ومحرّكٌ لها في الاستمرارية والوجود. فالتراث.. هو الذاكرة والبوّابة على العالم والمصدر لمواكبة العصروالتفاعل معه بالتوازي مع التمسك بالخصوصية والهوية الوطنية .
الموروث الثقافي التونسي ساهم في نحت الهوية التونسية وكان له الفضل في خلق الهوية السياسية التونسية واليت اصبحت معروفة بالفكر السدتوري التونسي او المرجعية الدستورية
الفكر الدستوري التونسي هو المنهج السياسي للموروث الفكر والثقافي التونسي من اقوال ماثورة وحكم ومواقف و من نضالات خلدها تاريخ الوطن في جميع الميادين وعبر التاريخ ….امثال عبد العزيز الثعالبي و حركة الشباب التونسي و بروز حركة المقاومة المسلحة و صعود الثوار الي الجبال التونسية في الجنوب و الشمال الغربي و التنسيق مع بقية الجهات للبلاد ..ومواقف الحركة النقابية العمالية مع فرحات حشاد و محمد علي الحامي و ظهور الطبقة المثقفة و صعود الجيل المفكر الاصلاحي امثال الطاهر الحداد و الشاعر ابو القاسم الشابي و محمود المسعدي و محمد العروسي المطوي و مصطفي خريف و العديد من التيار الاصلاحي الدستوري كما يمكن ان نتطرق الي ابطال الرياضة الذين كان هدفهم رفع الراية التونسية ملحمة الارجنتين و بروز محمد القمودي وغيره من الذين يعتبرون تونس الوطن الوحيد …
الموروث الثقافي في المجتمع التونسي هو مصدر الفكر الدستوري وشعاره …الولاء لتونس فقط وهذا الشعار كان نتيجة تجارب تاريخية حيث عرفت تونس الاستعمار الفينيقي والروماني والبيزنطي والعربي والاسباني والعثماني والفرنسي وتوارثت الاجيال مقاومة الاجنبي ورفضه مما خلق شعورا متوارثا برفض كل هيمنة اجنبية مما كان شكلها والقبول بالتعاون مع الغير في نطاق الاحترام المتبادل والسيادة
فتنظيم الاخوان بالنسبة للتونسي هو تنظيم اجنبي زرعته المخابرات البريطانية لضرب المد الشيوعي والشعب التونسي يرفض الفكر الشيوعي ويعتبره وافدا من الخارج رغم القبول بالمقاربات الاقتصادية وتطويعها للثقافة التونسية عموما
وحتى ما يعرف بالقومية العربية فانه فكر منبوذ من العامة باعتبار ان التونسي يشعر بانه تونسي ينتمي لشمال افريقا ويعتبر الشعبين الليبي والجزائري اشقاء لاعتبارات تاريخية وجغرافية وعرقية في حين تعتبر كل بلدان العالم اجنبية ولو كان منها الاصدقاء والاجوار …
والاستنتاج الحاصل في العلاقات بين افراد الشعب التونسي في المسائل السياسية هي علاقة الرفض للفكر الاجنبي والايديولوجيا الوافدة التي تتصارع للاستحواذ على الوطن وهو مايرفضه الشعب التونسي المتمسك بالهوية التونسية الرافضة للاجنبي وهذا ما افرز رفضا قويا لحاملي الفكر الاجنبي مما جعل الشعارات المرفوعة احيانا تقترب من الشوفينية التونسية واعتبرا بعض الاحزاب عملية وبعض الافراد عملاء لتركيا وفرنسا وروسيا وبريطانيا والسعودية وقطر واليمن والامارات ولا يعارض التونسي العلاقة مع الشعبين الليبي والجزائري باعتبار ان تونس جزء من منطقة جغرافية لها ثقافتها وحضارتها وهويتها القادرة على الصمود اما اي غزو خارجي بما في ذلك الافكار السياسية
الفكر الدستوري التونسي هو جزء من الهوية الثقافية بل انه عبارة عن عقيدة تونسية وطنية لذلك فان الاختلافات بين حاملي الفكر الدستوري لاتشمل الوطنية والتمسك بالهوية التونسية فقد تكون الخلافات ناجمة عن الرغبة في تحقيق نتائج افضل وقد تكون لاسباب شخصية لكنها ليست خلافات بسبب الوطنية وامام التحولات التي عرفها العالم برز من جديد الفكر الدستوري التونسي كفكر سياسي يرفض كل ماهو اجنبي وحتى الذين يحاولون الدخول من باب الاسلام يجدون ابوابا موصدة لان الفكر الدستوري يعتبر الاسلام دينا يهم الفرد والمجتمع وجزء من الهوية التونسية وثقافة الشعب والمتاجرة به واستغلاله في العمل السياسي يعتبر عيبا كبيرا ونفاقا مرفوضا من طرف المجتمع التونسي عموما
التراث التونسي ساهم في نحت الشخصية التونسية الضاربة في اعماق التاريخ وساهم في خلق ايديولوجيا سياسية عرفت لاحقا بالفكر الدستوري لذلك من الصعب صمود اي ايديولوجيا اخرى في المجتمع التونسي
بقلم : نورالدين بلقاسم