تعد مصر واحدة من أقدم دول العالم في الحياة النيابية البرلمانية، وليس فقط في المنطقة العربية، فعلى الرغم من خضوع مصر للاحتلال الإنجليزي لما يزيد عن 70 عامًا، إلا أن نضال الشعب المصري للحصول على الاستقلال، وكذا تأسيس حياة ديمقراطية لم يتوقف.
كانت البداية في عهد محمد علي باشا أول حاكم يحاول الاستقلال بمصر والخروج بها من عباءة الاحتلال العثماني، حينما أنشأ محمد علي في 1829 ما يسمى بمجلس المشورة، والذي تكون في ذلك الوقت من كبار التجار والأعيان والعمد والمشايخ والعلماء، وكانت وظيفته الأساسية إبداء الرأي في المسائل الإدارية العامة دون أن يلتزم محمد علي باشا بتنفيذها، فكان رأي المجلس استشاري، وتوقف عمل هذا المجلس بعد وفاة محمد على.
أما المحاولة الفعلية والتي أطلق عليها اسم مجلس شورى النواب، فقد كانت في عهد الخديوي إسماعيل عام 1866، وتكون في ذلك الوقت من 75 نائب ينتخبهم الشعب، وكان الترشح قاصرًا على طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعية من الإقطاعيين، على أن يستمر عمل المجلس لثلاث سنوات وهناك وجهتي نظر تناولتها الدراسات والكتب حول تلك الحقبة وأهداف الخديوي إسماعيل من تأسيس ذلك المجلس، فبعض الدراسات ترى أن الخديوي إسماعيل كان لديه رغبة حقيقية في إشراك الشعب ممثلًا في طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعية من الإقطاعيين في إبداء الآراء بالمسائل التي تتعلق بتسيير شئون الدولة المصرية، إلا أن هذا المجلس كان رأيه استشاريًا ولم يكن إلزاميًا وليس له نصوص تنظم عمله، إلا بعض الدراسات قالت أن إسماعيل أسس المجلس للمساعدة في فرض الضرائب على المصريين وسد عجز الخزينة.
في بداية انعقاد المجلس ألقى الخديوي إسماعيل خطابًا يوضح من خلاله للنواب طريقة الانعقاد وأن المجلس سينعقد في كل عام، مدة شهرين كما أوضح بنود لائحة التأسيس الخاصة بالمجلس، ومنها أنه يجوز تقديمه، وتأخيره حسب ما يراه الخديوي دون سواه، خصوصًا إذا صادف انعقاد المجلس شهر رمضان أو عيد الفطر أو عيد الأضحى، ولم يكن هناك دستور أو قوانين منظمة لعمل المجلس سوى ما يحدده الخديوي.
إلا أن الطريف في تلك الجلسة ما حدث بعد ذلك وفقًا لما ذكرته بعض الكتب الصادرة من دار الكتب والوثائق المصرية، أن شريف باشا، ناظر الداخلية آنذاك، أراد إفهام الأعضاء حين افتتاح المجلس، أن مجالس أوروبا تنقسم دائما إلى حزبين، حزب يعضد الحكومة، ويكون معها، وحزب يعارضها، ويقاومها، وأنه يجدر بالنواب أن ينقسموا إلى قسمين، مع الحكومة، على جهة اليمين وضدها ويكونون على اليسار، إلا أن نواب المجلس الأوائل تسابقوا كلهم كي يكونوا على يمين المجلس الحكومة وليس على يسارها رافضين معارضة أفندينا الخديوي وحكومته.
استمر هذا الوضع مع بعض التطورات ومحاولات مجلس شوري النواب انتزاع بعض الصلاحيات، حتى قيام ثورة 1919، والتي كان لها تأثير مفصلي في تاريخ الحياة النيابية المصرية وخاصة بعدما أعطت بريطانيا التي كانت تحتل مصر استقلالًا نسبيا، وصدر دستور 1923 كأول دستور مصري في تاريخها الحديث، ونص على إقامة حياة نيابية يشارك فيها الشعب حكم البلاد، من خلال مجلس نيابي يختار الشعب أعضاءه، ويقوم الحزب الذي يحظى بأغلبية الأعضاء بتشكيل الحكومة، وقد وضعت هذا الدستور لجنة من 30 عضوًا تمثل الأحزاب السياسية والزعامات الشعبية، وكان بمثابة خطوة مهمة للحياة الديمقراطية، ولكنه لم يخل من أوجه النقد، مثل أنه أعطى الملك الحق في حل البرلمان وإقالة الوزارة.
وتم إجراء الانتخابات في 12 يناير 1924، وتقدمت الأحزاب التي كانت متواجدة في الساحة في هذه الفترة، وهى الوفد والأحرار الدستوريين والحزب الوطني وأسفرت هذه الانتخابات عن اكتساح حزب الوفد، وحصوله على الأغلبية من مقاعد مجلس النواب 195 مقعد من 264 مقعد بنسبة 90%، وحصل حزب الأحرار الدستوريين على مقعدين، كما حصل الحزب الوطني القديم على مقعدين، والباقي للمستقلين وعددهم 15 مقعدًا.