وسط دعوات لمقاطعة فرنسا في دول مسلمة بسبب الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، تعمل السلطات الفرنسية على تسريع إعداد برنامج لتأهيل أئمة مستقلين “يحترمون قيم الجمهورية” وإنهاء خدمة أئمة مبتعثين من تركيا والمغرب والجزائر.
السلطات الفرنسية تعد برنامجاً لتأهيل أئمة “على الطريقة الفرنسية”
صرح المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابريال أتال اليوم الأربعاء (28 تشرين الأول/أكتوبر 2020) إن فرنسا “لن تتراجع أبداً عن مبادئها وقيمها”، على الرغم من “محاولات زعزعة الاستقرار”، منوهاً بالموقف الأوروبي الموحد في مواجهة انتقادات تركيا ودول مسلمة حول الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد. وأضاف أتال أن فرنسا “تتعرض لتهديد إرهابي متنام في الأيام الأخيرة، تغذيه دعوات للكراهية”، وتابع: “لكن ذلك يعزز إرادتنا في مكافحة الإسلام المتطرف وكل أوجهه بلا هوادة”.
برنامج لتأهيل الأئمة
وفي هذا السياق، تسرّع السلطات والهيئات الإسلامية في فرنسا العمل على مشروع لتدريب “أئمة على الطريقة الفرنسية”، وذلك لوقف استقدام أئمة من الخارج وإضفاء استقلالية مالية وفكرية على تدريب المسؤولين الروحيين للجالية المسلمة.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، أثناء عرضه مشروع قانون حول ما أسماه “الانعزالية الإسلامية” يهدف إلى “هيكلة الإسلام” في فرنسا: “سنمارس عليهم ضغطاً هائلاً (…) الفشل غير مسموح به”.
وبحسب السلطات الفرنسية، يجب على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، المحاور الرئيسي للسلطات، أن يؤسس خلال ستة أشهر مسار “تأهيل وتدريب الأئمة” وتنظيم “شهادات” اعتماد لهم ووضع “ميثاق يؤدي عدم احترامه إلى العزل”.
وبدأ المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الجانب العملي من المشروع، وينظّم السبت المقبل أول جلسة عامة للجنة المكلفة بدراسة موضوع تدريب الأئمة.
والهدف هو تأسيس “مرتكز وبرنامج مشترك يضع في الحسبان السياق الفرنسي” (المؤسسات، التاريخ، إلخ). وبناء على هذا “الإطار المرجعي” يمكن لكل منطقة تأسيس معهدها الخاص.
ولإثارة اهتمام الشباب، دعا رئيس المجلس محمد موسوي الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والمغربية طلبته إلى الانخراط في اختصاص مزدوج في الجامعة، تكون علوم الإسلام ضمنه.
إنهاء خدمة أئمة “مبتعثين”
ويهدف هذا المشروع إلى تحقيق رغبة السلطات في إنهاء نشاط 300 إمام في فرنسا “مبتعثين” من تركيا والمغرب والجزائر. وقد نوقش الأمر عدة مرات لكنه لم يلقَ نجاحاً حتى الآن.
ونظراً لعدم وجود هيئة تمثلهم، من الصعب الحسم في عدد الأئمة الناشطين حالياً في 2500 مسجد في فرنسا حيث يعتبر الإسلام الديانة الثانية.
ويوجد اختلاف كبير في تدريب هؤلاء الأئمة، كثير منهم تدرب “عن طريق الممارسة”، في حين تخرج عدد منهم من معاهد فرنسية وتكوّن آخرون في الخارج (المغرب، الجزائر، تونس، مصر، السعودية، وغيرها) وجاؤوا خاصة عبر آلية “الابتعاث”.
واعتبر رئيس مؤسسة إسلام فرنسا غالب بن الشيخ أن “ما يوجد حالياً غير كاف”.
وتوجد أقل من عشرة معاهد تدريب في فرنسا، يرتبط كل منها بعدد من المساجد. بعضها مقرب من الجزائر، والآخر مقرب من تركيا أو حتى من جماعة الإخوان المسلمين.
عدد “خريجي” هذه المعاهد محدود جداً. يقول عميد مسجد باريس شمس الدين حفيظ الذين يحمل الجنسيتين الفرنسية والجزائرية، “سأكون سعيداً إن وجدت بين 15 و20 إماماً مدرّبين خلال ثلاثة أعوام”.
فكر ديني “يتماشى مع السياق الفرنسي
عدّل عميد مسجد باريس شمس الدين حفيظ التدريب في معهد الغزالي المرتبط بالمسجد الذي يشرف عليه وقلّصه بعام، كما أسس فروعاً جديدة (في ليل، وقريباً في مرسيليا).
أما المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية المرتبط تاريخياً بجماعة الإخوان المسلمين، فيقول إنه درّب خلال ثمانية أعوام نحو 30 مسؤولاً دينياً (أئمة ومرشدون وغير ذلك).
من جهته أوضح رئيس المعهد الأوروبي لعلوم الأديان التابع للمدرسة التطبيقية للدراسات العليا ديدييه ليسشي أن “قليلاً من الأئمة لهم تدريب جامعي مع انفتاح على العلوم الاجتماعيّة”. واعتبر أن “نقص رجال الدين المثقفين” يعزز في فرنسا “نزعة محافظة تتعارض مع مكاسبنا الاجتماعيّة”.
بدوره اعتبر عميد مسجد عثمان في مدينة فيلوربان (شمال) عز الدين قاسي في مقالة حديثة نشرتها صحيفة لوموند أن نقص التدريب الجامعي يجعل عدداً كبيراً من الأئمة “عاجزين عن إنتاج فكر ديني يتماشى مع السياق والواقع الفرنسيين”.
ويرى الرئيس السابق للمجلس أنور كبيبش الذي أطلق هذا المشروع عام 2016 ولم ينجح في إكماله بسبب مشاكل داخليّة، أن الهدف هو تدريب “أئمة يحملون خطاباً يندرج في الميثاق الجمهوري ويحترم القانون وقيم الجمهورية”. وشدد محمد موسوي على أهمية أن “يكون أئمتنا ومسؤولونا الدينيون محصنين بشمل كاف ضد أشكال التطرف، وأن يكونوا قادرين على تحصين الأجيال القادمة من الدعاية المتطرفة”م.ع.ح/خ.س (أ ف ب)