قبل عام اختار التونسيون طبقة جديدة من النواب لعهدة نيابية جديدة على امل ان تكون هذه الطبقة مختلفة عن سابقتها في سعيها للحفاظ على مصالح البلاد والمضي بها الى الأمام وتغيير نظرة التونسيين لأهمّ مؤسسة تشريعية في البلاد. اليوم وفي ظل الأزمة متعددة الوجوه التي تعيشها البلاد، والتي يمثل مجلس النواب طرفا فيها، ومع انعدام التواصل الواضح بينه وبين أهم مؤسسات الدولة زيادة على دخول جائحة كورونا على الخط التي أضافت صعوبات جديدة على الوضع المتأزم، تطرح عديد الأسئلة نفسها هل يمثل هذا البرلمان إضافة للتونسيين والى الانتقال الديمقراطي؟ ام أنه أصبح عبءا على هذا الانتقال الديمقراطي وعلى البلاد وحتى على التونسيين أنفسهم؟.
للإجابة عن ذلك حاورت «الصحافة اليوم» المؤرخ والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي الذي قال ان نتيجة الانتخابات التشريعية لسنة 2019 هي التي فرضت المشهد البرلماني الفسيفسائي الحالي والمتكون من أطراف متضاربة ومتنافرة بل ومتناحرة ايضا، مشيرا إلى أن الظرفية التي صعد فيها هذا البرلمان هي ظرفية صعبة جدا سواء من جهة الازمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أو حتى الصحية نتيجة الكوفيد19. وقال انه لا يمكن الحكم على أداء البرلمان الا في ما يتعلق بالسنة التي مرت من هذه العهدة البرلمانية فقط، وهي لئن شهدت انعقاد الكثير من الجلسات واللجان والحوارات والقيام بالأنشطة الرقابية ومرور ثلاث حكومات عليها رغم قصر المدة، إلا أن الأداء التشريعي بشكل عام لم يكن في المستوى المنتظر والمطلوب خصوصا منه ما تعلق بتركيز المحكمة الدستورية فقد اعتبر المجلس النيابي الحالي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية أبرز مهمة سيقوم بها لكنه عجز عن ذلك اما في خصوص طرح المبادرات التشريعية والقانونية فقد اعتبر الحناشي أنها لا قيمة لها لاسيما المتعلقة بالمبادرة الأمنية الأخيرة التي أعطت صورة سيئة لمن طرحها علاوة على أن هذه المبادرات تم طرحها من طرف تحالف يبدو فاقدا للتناغم الفكري والسياسي وحتى التناغم الأخلاقي حيث لا ننسى في هذا الصدد الاتهامات بالفساد وغيره التي سبقت الانتخابات والهجمات بين الكتل.
كما لاحظ المتحدث أن المحاصصة الحزبية أصبحت هي الأساس في نشاط المجلس وما يتحكم في اللعبة المصالح الذاتية والسعي إلى التواجد في اللجان أو في الهيئات الدستورية او في المناصب العليا في الحكومة عوض تقديم المشاريع والعمل على بلورة رؤى واضحة والاهتمام بالملفات الحارقة للمجتمع اقتصاديا واجتماعيا مبرزا أن المجلس لم يلعب أي دور من اجل حل مشكلة الكامور او الحوض المنجمي التي تمثل أهم مورد للعملة الصعبة لتونس، بيد ان الحناشي تعرض لمشروعين اعتبرهما نقطة ايجابية في هذه الفترة النيابية التي مرت الأول المتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني والمشروع الثاني متعلق بالانتدابات في القطاع العمومي قائلا أنه عدا هذين القانونين فإن الصورة التي ترسخت لدى التونسيين عن البرلمان هي أنه برلمان السباب والشتائم والعنف اللفظي والعنف المادي والمناكفات.
وهي صورة سيئة جدا لا تعبر عن نخبة سياسية واعدة بل بالعكس عن نخبة سياسية فاسدة تباع أصواتها وتشترى وتمارس السياحة الحزبية من أجل غايات غير سليمة وغير ذات بعد وطني. من جهة أخرى شدد الحناشي على عدم وجود حد أدنى للتناغم بين الهيئة التشريعية والسلطة التنفيذية والنزاع الدائر على السلطات بينهما مبرزا أن ذلك لا يخدم لا هذه السلطة ولا تلك ولا يصب في مصلحة البلاد.
شكل البرلمان الحالي هو العائق الأساسي في البلاد
اما المحلل السياسي حسان القصار فقد اعتبر بدوره ان المنظومة البرلمانية هي «حق أريد به باطل» وبعد أن كان هذا النظام السياسي برلمانا ومؤسسات يمثل في البداية «ايقونة» في المجال الديمقراطي، فإن الواقع السياسي التونسي وطبيعة الطبقة السياسية أصبحت تصب في اتجاه أزمة ثابتة ومتواصلة،قائلا ان ما بُني على «الصندوق» بالمنطق الديمقراطي فإنه لم يُبن وفق مشاريع وتصورات بل وفق مجموعات من اللوبيات التي تتناقض في المصالح وتلتقي في بعض الاحيان، ليس لمصلحة الشعب وانما على حساب الشعب، بمعنى ان هذه الطبقة السياسية أرادت ان تثبت مصالحها على حساب الشعب وانعكس ذلك في نخبتها التي هي اللوبيات الممثلة في نوابها في البرلمان وفق تعبيره، مضيفا أن هذا التعامل المبني على المخاتلة وعلى التحالفات التي تنقلب بين ليلة وضحاها يمثل في نظره سلوكا غير أخلاقي، جعل الشعب يسعى للقطع ورفض هذه الطبقة رغم أنها ممثلة قانونيا في البرلمان وتمثل سلطة الشعب لكنها أثبتت انها عصابات ومجموعات لها مصالح بل إن صراعها ادى إلى ما تعيشه البلاد الآن. وقال أن إصلاح ذلك يتطلب عشرات السنين لكي نرى على الأقل بصيص امل.
وخلص المتحدث الى ان شكل البرلمان الحالي هو العائق الأساسي في البلاد «ومن الخجل أن يكون هذا الشعب ممثلا بهؤلاء النواب وهذه الطبقة السياسية» معتبرا أن الواقع الاجتماعي والسياسي في تونس يتطلب نظاما سياسيا جديدا ونظاما تشريعيا وتقسيما جديدا للسلطات وترك المسألة بهذا الشكل إنما هو معيق حاليا لاستقرار البلاد ولا يهدد القرارات والتعيينات واختيار رئيس الحكومة فقط فهذا اصبح محسوما، وإنما يهدد ايضا الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي للبلاد حسب تأكيده مشيرا إلى أن البلاد في حالة افلاس بينما هذه الجماعات لا يهمها ذلك وانما يهمها المخاتلة وتسجيل المواقف على الخصوم وتوريطهم، قائلا انهم سيظلون بهذا الشكل الى نهاية العهدة لا سيما أنه ليس هناك مجموعات قوية يمكنها ان تغير المعادلة. وتابع المتحدث بقوله ان الوضع في تونس بلغ من الترهل والضعف والفساد والمهانة «ان تقع المفاوضات مع مجموعات منشقة تأخذ البلاد رهينة» ولم تعد الدولة قادرة على اخذ القرارات مبرزا أن ذلك هو الخطر الحقيقي وعبر في الأخير صراحة عن عدم وجود حلول من طرف هذه الطبقة السياسية الماسكة حاليا بدواليب الحكم نافيا عنها الإرادة والقدرة على التغيير.