حصلت “الشارع المغاربي” على تقريرين ماليين لمراقبي الحسابات عن حركة النهضة في سنتي 2018 و2019 بعد التقدم بمطلب نفاذ إلى المعلومة إلى محكمة المحاسبات في جويلية المنقضي.
وبالتمعن في التقريرين تبيّن أن أعمال مراقبي الحسابات خلُصت إلى وجود احترازات تتصل بتمويل الحزب وبنفقاته. وأشار المراقبان إلى عدم قيام النهضة بجرد مادي لممتلكاتها طيلة سنتين على الأقل.
وأكدا على عدم تمكنهما من إجراء جرد شامل للأموال المتوفرة بخزينة الحزب، واكتفيا بذلك بتسجيل وجود مبلغ مالي قدّر بـ 246 ألف دينار سنة 2018 ومبلغ آخر بقيمة 150 ألف دينار في خزينة النهضة خلال سنة 2019 طبقا لتقارير معدّة سلفا من قبل الوكيل المالي للحزب.
كما شدّد الخبيران المحاسبان على أنه محمول على الوكيل المالي للحزب انجاز تقارير مالية مطابقة للنظام المحاسبي للمؤسسات وإعداد تقرير رقابة داخلية للقائمات المالية خال من أية أخطاء أو اخلالات أو تجاوزات جسيمة.
وأشار المراقبان الى أنهما لم يوفّقا في اجراء تدقيق شامل في التبرعات العينية التي حصل عليها الحزب بسبب عدم ترقيم الوصولات المعتمدة خلال جمع التبرعات.
وحول علاقة ترقيم الوصولات بشفافية معاملات الاحزاب المالية، أكد خبير محاسب ان دور الترقيم يتمثل في إدخال كل التبرعات التي تم جمعها في النظام المحاسبي وحماية الأموال من أي استيلاء أو تصرف غير سليم كاستغلالها لتحقيق منافع شخصية أو في شراء ذمم الناخبين أو تمويل عمليات مشبوهة أخرى.
وكانت محكمة المحاسبات قد أشارت في تقرير عن الانتخابات البلدية لسنة 2018 إلى «تضمن وصولات وقائمات التبرعات الواردة على حركة النهضة في 135569 عملية تبرع، هويات وأرقام بطاقات تعريف 68 متبرعا قدّموا تبرعات خلال سنوات 2016 و2017 و2018.
وأكدت المحكمة ان قيمة هذه التبرعات بلغت 12,525 الف دينار في 2016 و1,944 ألف دينار في 2017 و5,870 ألف دينار في 2018 وأنه تبين حسب سجلات الحالة المدنية أن المتبرعين متوفون في تاريخ التبرع، وان منهم 25 ماتوا منذ مدة تراوحت بين 3 و11 سنة.
ولفتت المحكمة إلى أن النظر في عينة من وصولات التبرع في 2404 عملية مكّن من الوقوف على غياب إمضاءات المتبرعين في 329 وصلا خلال شهر أفريل من سنة 2018.
كما بينت أنها خلصت الى تعارض أرقام بطاقات التعريف المضمنة بسجل التبرعات والوصولات مع المعطيات المضمنة بسجلات الحالة المدنية (بخصوص 7 متبرعين) مع عدم وجود اثر بطاقات تعريف تم تضمينها من قبل الحزب بالسجل وبالوصولات (بخصوص 10 متبرعين) بهذه السجلات فضلا عن عدم احترام الترقيم التسلسلي للوصولات.
واعتبرت المحكمة ان هذا الإجراء يؤثر سلبا على مصداقية وصولات وقائمات التبرعات.
التقارير المالية لا تكشف الأموال غير المشروعة
في إجابة حركة النهضة على محكمة المحاسبات برّرت وجود تبرعات بأسماء 11 من المتوفين بأن «أحد أقاربهم تولى التبرع بأسمائهم.»
وفي حالات أخرى أشارت المحكمة إلى تعمد الحزب تقديم أرقام لم ترد أصلا بوصولات وسجلات التبرع في شأن وضعيات تتضمن «أخطاء في تدوين المعطيات وتنزيلها».
وأرجعت النهضة عدم وجود بطاقات تعريف بعض المتبرعين بسجلات الحالة المدنية إلى أخطاء في تسجيل الأرقام من قبل مصالحها.
وأكد خبير محاسب رفض الكشف عن هويته في تصريح لـ «الشارع المغاربي» ان حصول حركة النهضة وغيرها من الأحزاب على مبالغ تفوق 60 ألف دينار التي ينص عليها المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المنظم لعمل الأحزاب أو على تمويلات غير مشروعة يبقى واردا جدا وانه لا يتم الكشف عنها في التقارير المالية.
وأوضح أنه بامكان مراقب الحسابات الانتباه الى هذه التمويلات المشبوهة اذا لاحظ أن قيمة المصاريف أعلى بكثير من قيمة المداخيل، لافتا الى ان هذه الملاحظة تكون فرصة للمراقب لمراسلة عدد من المزودين المتعاملين مع الحزب لطلب الفواتير ومقارنتها بأرقام الحزب.
في هذا السياق، ذكر مراقبا الحسابات في تقريرهما عن الحركة أنهما راسلا اتصالات تونس والشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه للحصول على معطيات تتعلق بالتعاملات المالية مع النهضة وانهما لم يحصلا على إجابة.
وجاء في التقارير المالية للحركة أنها أنفقت أكثر من 1,6 مليون دينار على الاتصالات بالإضافة إلى أكثر من 376 ألف دينار عما أسمته بـ «الإشهار والعلاقات العامة» بين 2017 و2019.
تبرعات بقرابة 20 مليون دينار
يكشف تقريرا المراقبة الحسابية ان النهضة حصلت على تبرعات نقدية بأكثر من 19 ,7 مليون دينار على مدى ثلاث سنوات، توزعت على 5,7 ملايين دينار في سنة 2017 و7,4 ملايين دينار في سنة 2018 و6,4 ملايين دينار في سنة 2019.
كما اثبت التقريران أن مقر الحركة بمونبليزير في تونس كان الأكثر استقبالا للتبرعات النقدية بأكثر من 3 ملايين دينار في 2019 يليه المكتب المحلي بتونس بـ 380 ألف دينار ثم المكتب المحلي بصفاقس بـ 341 ألف دينار فالمكتب المحلي بنابل بـ 273 ألف دينار فالمكتب المحلي بسوسة بـ 259 ألف دينار ثم المكتب المحلي بالمنستير بـ 233 ألف دينار.
في المقابل، كانت المكاتب المحلية بتوزر (43 ألف دينار) وجندوبة (43 ألف دينار) وزغوان (63 ألف دينار) والكاف (70 ألف دينار) وسيدي بوزيد (72 ألف دينار) الأقل تسلما للتبرعات في سنة 2019.
وبخصوص التبرعات العينية، وثق تقريرا المراقبة حصول الحركة على أكثر من مليون ومائة ألف دينار بين 2017 و2019.
وبلغت قيمة عائدات الانخراط أكثر من 327 ألف دينار بين 2017 و2019، وهو مبلغ زهيد مقارنة بالتبرعات النقدية والعينية التي صرح بها الحزب لمراقب الحسابات.
غياب تبويب النفقات
احتراز آخر أشار إليه مراقبا الحسابات بتأكيدهما على عدم توفقهما في انجاز مراقبة شاملة على تمويلات الحزب بسبب خلو تقرير نشاطه من تبويب واضح ودقيق لمداخيله ونفقاته.
فقد اكتفى الحزب بتصنيف النفقات حسب التظاهرات التي ينظمها والاحداث التي يشارك فيها عوض التنصيص على ذكر أوجه هذه النفقات كخلاص مزودين أو شركات أو كراء تجهيزات أو وسائل نقل او خلاص موظفين وغيرها.
ويؤكد تقريرا 2018 و2019 للنهضة إنفاق الحركة 5,8 ملايين دينار على كراء مقرات المكاتب بين 2017 و2019 دون تبويب واضح لأوجه النفقات وصرف حوالي 6 ملايين دينار لخلاص الأجور دون الخوض في تفاصيلها وفي هوية الحاصلين عليها.
ويرجّح مصدر مقرب من الحزب حصول عدد من قيادات النهضة على أجور في مخالفة للمرسوم المنظم لعمل الأحزاب.
كما يشير خبير محاسب، فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أن بعض الشركات أو الجمعيات أو الأحزاب عادة ما تلجأ إلى عدم التبويب لاستغلال الأموال التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة في أعمال غير مشروعة وتبقى دائما خارج النظام المحاسبي.
أموال الحزب في خزائن قنوات تلفزية
بقطع النظر عن التوجهات السياسية المكشوفة لعدد من القنوات التلفزية وحتى الإذاعية القريبة من حركة النهضة، كقنوات الزيتونة أو حنبعل أو قرطاج + أو المتوسط أو TNN أو إذاعة صراحة أف أم سابقا ما فتئت تتعالى عدة أصوات تندد بتمويل الحركة هذه الشبكة الإعلامية المترامية الأذرع لاستغلالها في الإشهار السياسي.
محمد عبو الوزير السابق والسياسي المستقيل من حزب التيار الديمقراطي كان من بين المتصدين للتمويلات المشبوهة للإعلام، فرفع على النهضة قضية جزائية في منتصف سنة 2020 متهما إياها بتبييض الاموال عبر تمويل قنوات حنبعل والزيتونة والمتوسط وTNN.
يقول محمد عبو في تصريح لـ «الشارع المغاربي»: «من المعلوم أن بعض القنوات كانت في خدمة حركة النهضة لسنوات وهذه الخدمة ليست مجانية بل يفترض حصولها على تمويل من الحركة، لهذا لجأت إلى القضاء وطلبت من قاضي التحقيق التعهد بالملف الذي يبدو أنه لن يخرج عن ثبوت تهمة تبييض أموال عبر تمويل الإعلام النهضوي.»
ويضيف عبو: « وبعد استقالة حكومة الياس الفخفاخ، اتصل بي قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي والاقتصادي للإدلاء بأقوالي في هذه القضية التي يبدو أنها تراوح مكانها.»
وكانت الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري قد رفضت الترخيص لقناة الزيتونة بسبب انتماء احد مؤسسيها، وهو أسامة بن سالم إلى مجلس شورى حركة النهضة. ولم تتمكن من غلق مكتبها إلا بعد إجراءات 25 جويلية المنقضي والتي رفعت الحماية السياسية عن هذه القناة.
وسبق لوثائق بنما التي نشرها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين في أفريل 2016 أن أشارت إلى تأسيس كل من جمال الدلالي وفتحي الجوادي وهما مديران سابقان لقناة TNN القريبة من حركة النهضة، شركتين بإحدى الجنات الضريبية هي جزر العذراء البريطانية في جانفي 2013.
وكان موقع «انكفاضة» قد نشر في 28 أفريل 2016 تحقيقا صحفيا، استعرض فيه علاقة عدد من مديري قناة TNN بشركات تم تأسيسها في جنات ضريبية وبحركة النهضة.
وتفجّرت في انتخابات 2019 قضية إبرام النهضة، مثلها مثل حزب قلب تونس وجمعية عيش تونسي، عقودا عرفت بـ «عقود اللوبيينغ» مع شركة بريطانية. وأكدت فضيلة قرقوري القاضية بدائرة المحاسبات في تصريح لـ «الشارع المغاربي» أن هذه العقود تدخل في سياق الجرائم الانتخابية، مشيرة إلى إحالة هذا الملف إلى القضاء العدلي والى القطب القضائي والمالي للفصل فيها.
أين التقرير الخاص؟
ولئن حاول مراقبا حسابات حركة النهضة تبرير ملاحظاتهما بعدم حصولهما على عدد من الوثائق وبعدم تمكنهما من التثبت في مصداقية تقارير أنشطة الحزب وفي ما هو متوفر بخزائنه وفي التبرعات العينية بسبب عدم اجابة بعض مزودي النهضة وغياب تبويب النفقات وعدم ترقيم الوصولات، فإن التقارير الخاصة كانت الغائب الابرز في عملهما.
يقول مراقب حسابات اختار عدم ذكر اسمه: «يفترض في كل مراجعة لحسابات شركة أو جمعية أو حزب أن ينجز الخبير المحاسب تقريرين احدهما تقرير عام للتثبت من مدى قانونية الحسابات ومدى عكسها الوضعية المالية الحقيقية للمؤسسة وثانيهما تقرير خاص يركز على علاقة المسيرين بهذا الهيكل وعلى العمليات المالية التي تمت بينهما حتى لا يعمد المسيرون إلى استغلال أموال الهيكل في الحصول على امتيازات أو أجور أو إبرام عقود مع شركات تحت تصرفهم.»
وكانت تقارير مراقب الحسابات عن حركة النهضة بين سنوات 2011 و2014 قد أكدت حصول رئيسها راشد الغنوشي على امتيازات مالية أسمتها الحركة بـ «مكافأة رئيس الحزب» وبلغت عشرات آلاف الدنانير، بينما غابت هذه الامتيازات في تقارير 2018 و2019.