فوسفوجيبس قابس.. ‘اللغز’ الغامض!

جدل كبير مازال يرافق الإعلان عن اختيار الموقع النهائي لإنجاز المدينة الصناعية الجديدة والصديقة للبيئة بمعتمدية منزل الحبيب من ولاية قابس منذ سنة 2017، حيث لاقى القرار رفضا واسعا من اهالي معتمديات منزل الحبيب والحامة والحامة الغربية ومن المجالس البلدية الثلاث رغم أن قيمته الجملية تناهز 5000 مليون دينار وهو أكبر مشروع استثماري في تاريخ الجمهورية التونسية منذ الاستقلال إلى اليوم ،وفق تصريح والي قابس الأسبق المنجي ثامر.

ماهي الأسباب الكامنة وراء رفض المجالس البلدية لمشروع المدينة الصناعية في منزل الحبيب؟ وهل هو صديق للبيئة أم تشوبه تخوفات كبرى على صحة الانسان وسلامة البيئة؟ أوجه رفض المجالس البلدية متعددة لمشروع لا أحد يعلم يقينا هل هو مشروع صديق للبيئة فعلا أم لا؟

الفوسفوجيبس مادّة كيميائية تتمثّل في النفايات التي تنتج بعد تحويل الفسفاط الطبيعي لإنتاج الحامض الفوسفوري. ونظرا لاحتوائها على شوائب و إشعاعات نووية تتسبّب هذه المادّة أينما وجدت،في إخلال بيئي كبير يهدّد بقاء الكائنات الحيّة.

 

 

ماهي مخاطر الفوسفوجيبس؟

تفيد عدّة دراسات من بينها دراسة أثر التلوّث الصناعي على الاقتصاد بجهة قابس (2016) التي أعدتها المفوضية الأوروبية، أنّ وجود مادّة الفوسفوجيبس في البيئة البحرية قد غيّر بشكل كبير النظم الإيكولوجية في محيط المنطقة الصناعية.

وتصف الدراسة صبّ فضلات الفوسفوجيبس أنّه أحد الأضرار الرئيسية، إن لم يكن أكثرها أهميّة ،في علاقة بقيمة تأثيرها على البيئة الفيزياء-حيوية بمنطقة قابس ولا سيّما ساحلها.

سنة 1993 قامت لجنة جهوية للصحة والسلامة المهنية بالتعاون مع فرع قابس للاتحاد العام التونسي للشغل بإجراء تحاليل متنوعة (بولية ودموية) وصور بالأشعة لأكثر من 1200 شخص شملت مختلف مناطق قابس لمعرفة نسبة «الفليور» في الجسم، فكانت النتائج مرعبة وتدعو الى دق نواقيس الخطر باعتبار أنّ هذه المادة تسبب امراضا عديدة كضيق التنفس وهشاشة العظام والسرطان والأمراض الجلدية،بل أن تأثيرها يتعدى إلى الأجهزة الهضمية والتناسلية. كما أقر المعهد الوطني للصحة والسلامة المهنية بوجود هذه الأمراض المهنية الناتجة عن التلوث.

ويؤكد العديد من أهالي منطقة شط السلام أين يقع المُجمّع الكيميائي على بعد قرابة 4 كلم من مركز ولاية قابس، أن التلوث الذي تسبب به المجمع ساهم في غياب مشهد يجمع بين البحر والصحراء والجبال والواحة، ليعَوّضه مشهد قاتم يلاحظه كل زائر لواحة قابس، فقد غاب الاخضرار الذّي طالما ميز المنطقة كما غاب المصطافون ليصبح البحر “ميّتا” وأكثر سوادا جراء إلقاء مادة الفوسفوجيبس فيه.

وبنظرة عابرة تلاحظ شاطئ تكسوه بقايا الحيوانات بحرية من أسماك وسلاحف ميتة تطفو على السطح نتيجة المواد السامة.اتجهنا نحو أهالي المنطقة أين رصدنا استياءهم وخوفهم مما أسموه ب”داعش البحر”.

 

 

كوارث بيئية متعددة أكدتها الدراسات والأرقام والإحصائيات وهكذا حللها الخبراء:

13 ألف و500 طن من الفوسفوجيبس..يوميا

وحسب دراسة قامت بها جمعية البيئة والطبيعة بقابس بالاشتراك مع ثلة من الخبراء حول تأثير الفسفاط على صغار الفلاحين وعلى التنوع البيولوجي في قابس، يتم يوميا رمي 13 ألف و500 طن من الفوسفوجيبس في البحر،هذه الدراسة بتمويل من معهد الموارد الطبيعية سنة 2018 أثبتت أن سكب الفوسفوجيبس أثر بشكل كبير على التنوع البيولوجي للكائنات البحرية حيث ترسب في كبد وخياشيم الأسماك مواد سامة مثل الكادنيوم والنحاس والحديد والزنك والمنغنيز وهي المعادن الموجودة في الفوسفوجيبس.

رسم بياني: كميات المعادن الموجودة في أنسجة كبد عينات وخياشيم الأسماك

مقبرة التنوع البيولوجي

أكد الخبير في البيئة حمدي حشاد، في تصريح لموقع “بلا قناع”،أن سكب الفوسفوجيبس في البحر حول خليج قابس إلى مقبرة للتنوع الحيوي و قضى تقريبا على قطاع الصيد البحري، مضيفا أن الانبعاثات الغازية من مداخل وحدات المجمع الكيميائي بتأثير الرياح تشمل نطاقا واسعا من محيط المنطقة الصناعية،مما يؤثر بشكل سلبي على الغطاء النباتي وخاصة الأشجار التي انخفض انتاجها نتيجة التلوث.

فوفق دراسة قامت بها جمعية البيئة والطبيعة للأمراض المنتشرة بقابس ،حول المنطقة الصناعية سنة 2016 أثبتت وجود نسبة عالية لانتشار أمراض الحساسية والعطس عند الذكور أقل من 20 سنة بنسبة 36% وأمراض العيون بنسبة 15%.

وهو ما يوضحه أكثر الرسم البياني التالي:

رسم بياني: الأمراض المنتشرة قرب المنطقة الصناعية

ومن جانبه أفادنا الدكتور الهادي صولة رئيس قسم الجراحة سابقا في المستشفى الجامعي بقابس لمدة 30 سنة في تصريح لبلا قناع أنه “يمكن أن نلاحظ انتشارا واسعا لأمراض هشاشة العظام والصدرية بقابس.

 

 

أما فيما يتعلق بالإحصائيات فلا وجود لإحصاءات رسمية تثبت العلاقة السببيّة المباشرة بين انتشار عدد من الأمراض في ولاية قابس كالسرطان وضيق التنفّس وبين التلوّث الناتج عن المجمع الكيميائي باستثناء اجتهادات شخصية لعدد من الأطباء وفق الدكتور الهادي صولة.

 


هل تستطيع التكنولوجيا المتطورة التقليص من المخاوف؟

أسال مشروع المدينة الصناعية الصديقة للبيئة بمنزل الحبيب الكثير من الحبر حول مدى نجاعة مكوناته وأهميته لولاية قابس فقد أكد توفيق الجمل المهندس في الصناعات الكيميائية والمدير الأسبق للمجمع الكيميائي بقابس (تقاعد سنة 2018) في تصريح بلا قناع أن المكونات الاساسية لهذه المدينة هي بناء وحدات جديدة للحامض الفسفوري والحامض الكبريتي. وقد قام مكتب دراسات مختص بمسح كامل لأراضي ولاية قابس وقيم الدراسة 12 خبيرا في الجيولوجيا تم على اثرها تحديد منطقة “الزملة البيضاء” أو “السفية” من معتمدية منزل الحبيب.

ويعمل المجمع الكميائي التونسي حاليا بوحدات إنتاج تم انشاؤها منذ 1972 وتستعمل تكنولوجيا قديمة مثلا في وحدة الحامض الكبريتي تصدر 2000 وحدة في المليون من غاز الـ SO2 ” ثاني أكسيد الكبريت” في المداخن أما حاليا 4 وحدات حامض كبريتي تصدر 400 وحدة في المليون من غاز الـ SO2 ” ثاني أكسيد الكبريت”مطابق للمواصفات التونسية وفي المدينة الصناعية الجديدة يمكن اعتماد تقنيات تنتج 50 وحدة في المليون من الـ SO2 ” ثاني أكسيد الكبريت”وفق المواصفات العالمية.

تصدر وحدة الحامض الفسفوري غاز الفليور الذي يمكن استرجاعه عبر استعمال تكنولوجيا متطورة لمعالجة التلوث الهوائي تقلل من افرازات الملوثات في الهواء باستخدام وحدات ذات امتصاص مضاعف لغسل الغازات من ثم يتم استغلاله لتشغيل وحدة موازية لوحدة صناعة الحامض الفليوري،وبالتالي ستعمل الوحدات الجديدة للحامض الفسفوري والحامض الكبريتي وفق المواصفات الدولية المراعية للبيئة من ناحية التصرف في الهواء.


تثمين الفوسفوجيبس؟

وأشار توفيق الجمل الى وجود دراسات جيولوجية عمل على انجازها عدد من الخبراء عبر مسح عدد من المناطق بولاية قابس تثبت أن “الزملة البيضاء” و”السفية”الأماكن المقترحة لإنجاز مشروع المدينة الصناعية الجديدة الصديقة للبيئة بمنزل الحبيب لا تحتوي على مائدة مائية وسيتم إنجاز طبقة عازلة تمنع تسرب المياه الموجودة في الفوسفوجبس عند تكديسه في الأرض وبالتالي ليس هناك أي خطر عند تكديس الفوسفوجيبس في هذه المناطق.

كما أكد لنا توفيق الجمل في تصريحه أن الفوسفوجيبس يتكون من حوالي 99% من جبس بعد انتزاع كمية الماء منه لكن يحتوي عدة شوائب أخرى متكونة من المعادن الثقيلة التي يمكن أن تشكل خطرا.

وبالنسبة لإمكانية تثمين الفوسفوجيبس يقول المدير الأسبق للمجمع الكيميائي بقابس توفيق الجمل أنه تم عقد جلسة عمل موسعة بحضور عدد من الخبراء الأجانب في ماي 2017 خلصت الى ان” كمية الفوسفوجيبس التي يتم تثمينها في العالم لا تتجاوز 5% اذا لا بد من المرور بمرحلة تكديس الفوسفوجيبس في اليابسة ثم التفكير في التثمين.” وفق تصريحه

من جهته، أكد علي بن حمود، مهندس مختص متقاعد في الكيمياء البيترولية، في تصريح لموقع “بلا قناع”، أنه اذا تمت عملية تخزين الفوسفوجيبس في اليابسة دون العمل على تثمينه ،فإنه لا يمكن ان نتحدث عن منطقة صديقة للبيئة حتى لو وضعت طبقة عازلة فوق الارض فان الفوسفوجيبس سيتسرب للمائدة المائية بمنزل الحبيب”

ويقول علي بن حمود بأن التخزين اقتُرح من خبراء اللجنة العلمية وإطارات المجمع الكيميائي التونسي بطريقة تقدّمه على أنه الأنسب والأسرع رغم أنه دون فعالية تذكر.ويقترح اعتماد حل تثمين الفوسفوجيبس لأنه الحل الأنسب لمعالجة مشكل التلوث.” أما بالنسبة للمواصفات العالمية للحد من الانبعاثات الغازية لمعمل الحامض الفسفوري والكبريتي يمكن استعمالها حاليا في الوحدات الموجودة في المجمع الكيميائي”.

 

تعليق الاعتصام

علق الناشطون في “حراك سكر المصب” اعتصامهم بالمدخل الجنوبي للمنطقة الصناعية بقابس، يوم 1 جويلية 2017 الذي تواصل أسبوعا للضغط باتجاه غلق مصب الفوسفوجيبس وذلك “تثمينا للقرارات المعلن عنها في أعقاب المجلس الوزاري المضيق” القاضي بالالتزام الكلي من قبل حكومة يوسف الشاهد آنذاك بإيقاف سكب الفوسفوجيبس في البحر. وتبني خيار تفكيك الوحدات المرتبطة بإفراز هذه المادة وإحداث وحدات جديدة تستجيب للمعايير الوطنية والدولية في المجال البيئي داخل حدود ولاية قابس، في موقع يتم تحديده بناء على معطيات تراعي الابتعاد عن التجمعات السكنية وتفادي أي مساس بالمائدة المائية واحترام كافة المقتضيات البيئية وتحري وجود طبقات جيولوجية عازلة مع مراعاة المقبولية المجتمعية للمشروع.

كما اعتبر والي قابس الأسبق منجي ثامر أن “هذا الخيار سيعالج الملف البيئي برمته بمدينة قابس وسيضع حدا للمعاناة التي عاشها أبناء المنطقة على امتداد عقود من الزمن بسبب التلوث الصناعي”.

وأعلن سليم الفرياني وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة الأسبق يوم الثلاثاء 4 ديسمبر 2018 خلال ندوة صحفية حول مشروع المدينة الصناعية الجديدة النظيفة والصديقة للبيئة أن” المكان الذي وقع الاختيار عليه لنقل وحدات المركب الكيميائي هو “منزل الحبيب” وستكون كلفة المشروع في حدود 5 آلاف مليون دينار.”

هذا القرار لاقى رفضا واسعا من المجالس البلدية للحامة والحامة الغربية والاتحادات المحلية للشغل والفلاحة والصيد البحري والصناعة والتجارة. واصدرت بيانا في الغرض وصفت من خلاله القرار ب”الظالم والجائر ودون المقبولية المجتمعية” معلنة عن الدخول في سلسلة من التحركات الاحتجاجية والتصعيدية وتنفيذ اضراب عام يوم 10 ديسمبر 2018 حتى إبطال القرار.

 

 

من جانبه، دعا المجلس البلدي بمنزل الحبيب في بيان مكونات المجتمع المدني وأهالي المنطقة الى مقاطعة نقل مصب الفوسفوجيبس إلى منزل الحبيب والالتفاف حول المصالح العامة مع ضرورة التماسك والهدوء في التعاطي مع هذا الموضوع. وأدان البيان طريقة التعاطي مع الموضوع وسياسة التهميش للمجلس البلدي.

 

وفي هذا الخصوص، أكد والي قابس الاسبق منجي ثامر وجود فهم خاطئ لهذا المشروع الذي يتمثل بالأساس في تركيز مدينة صناعية جديدة نظيفة وصديقة للبيئة يتمّ تحديد موقعها بناء على معطيات تراعي الابتعاد عن التجمعات السكنية وتفادي أي مساس بالمائدة المائية واحترام كافة المقتضيات البيئية وتحري وجود طبقات جيولوجية عازلة وهو ما تمّ الاشتغال عليه خلال أشهر طويلة قبل أن يتم الاتفاق بالاجماع ـ من قبل أعضاء لجنة القيادة الوطنية لهذا المشروع التي تضمّ كل الوزارات المعنية – على معتمدية منزل الحبيب كموقع لإنجاز هذه المدينة الصناعية باعتبارها أنسب مكان لذلك.

 

غياب المعلومة

للبحث في اشكالية هل أن هذه المدينة الصناعية الجديدة المعلن عن انجازها بمعتمدية منزل الحبيب هي فعلا صديقة للبيئة أم انها ستكون مماثلة للصناعات الملوثة الموجود حاليا في المجمع الكيميائي التونسي، اتصلنا مرارا بإدارة المجمع الكيميائي بقابس وبوزارة الصناعة والمناجم والطاقة لكن للأسف لم نحصل على أي معلومة من مصدر رسمي.

هذا الخطأ الاتصالي والتقصير في تمكين المواطن من المعلومة أكده ممثل الوفد الحكومي المنصف عاشور في تصريح لاذاعة تطاوين في 31 مارس 2021 بخصوص محاولة البحث عن الحل المناسب لإنجاز مشروع المدينة الصناعية الجديدة بقوله “أنا شخصيا تفاجأت بالحديث عن هذا المشروع ولا يوجد أي طرف يفسر ماهو هذا المشروع وماهي مكوناته وملامحه ،فقط هناك عنوان لا غير ولا كيف سيتم اعتماد التكنولوجيا الحديثة لكي تستجيب للمعايير الوطنية والدولية في المجال البيئي”.

تسجيل صوتي: ممثل الوفد الحكومي المنصف عاشور

وأشار ممثل الوفد الحكومي إلى أنه طلب من ادارة المجمع الكيميائي نشر كل المعطيات المتعلقة بهذا المشروع على موقع واب المجمع أو انشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تمكن من التفاعل مع المحتوى المنشور وتمنح المواطنين حقهم في النفاذ للمعلومة “لكي نكسب ثقة أهالي المنطقة ونوفر المقبولية المجتمعية لهذا المشروع ولا نكتفي فقط بالحديث عن شعارات فضفاضة والعناوين الكبرى دون الغوص في تفاصيل المشروع”.

وبخصوص تشريك الخبراء من المجمع الكيميائي والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني أكد المنصف عاشور أنه “يجب ان نعترف بأهل الاختصاص لكي نصل في النهاية إلى وعي شامل بكافة مكونات هذا المشروع” مبينا أن قرار إحداث المدينة الصناعية الجديدة في 2017 ظل مبهما وغير واضح الى حد اللحظة متسائلا: “كيف للمواطن أن يصدق ويتخذ موقفا داعما لمشروع غامض وغير واضح في جانبه التكنولوجي والتقني والفني والبيئي بالإضافة الى ضرورة ابراز باقي المكونات الاقتصادية والاجتماعية وانعكاسات هذه المدينة الصناعية على جودة الحياة في منزل الحبيب مؤكدا انه “للأسف الشديد ليس هناك أي اجابة حول مكونات وخصائص هذا المشروع”.

تسجيل صوتي: ممثل الوفد الحكومي المنصف عاشور

ونذكر أن الجلسات الخاصة بالمقبولية المجتمعية لمشروع المدينة الصناعية الجديدة الصديقة للبيئة للوفد الحكومي يترأسه العضو المفاوض، المنصف عاشور انطلقت في 29 مارس 2021 على امتداد 3 أيام، جلسة تمهيدية بمقر الولاية حول هذا المشروع تحت اشراف والي الجهة الأسبق، منجي ثامر بحضور أعضاء مجلس نواب الشعب ورؤساء البلديات المعنية وممثلي المنظمات الوطنية ورؤساء عدد من المصالح الجهوية.

 

البلدية تستجيب لأصوات المواطنين

وقد أعلنت بلديتا الحامة والحامة الغربية من ولاية قابس المجاورة لبلدية منزل الحبيب في بلاغ مشترك عن رفضهما الكلي لتركيز المدينة الصناعية الجديدة في منطقة “الزملة البيضة” أحد المواقع المقترحة لإنجاز مشروع المدينة الصناعية الجديدة الصديقة للبيئة. وعبرتا عن رفضهما الحضور نهائيا للجلسة التي عقدت يوم 30 مارس 2021 بمقر الولاية.

توجهنا إلى رئيس بلدية الحامة ناصف ناجح لمعرفة أسباب رفض المجلس البلدي للمشروع فبين أن موقف المجلس قديم متجدد يدل على عدم الرغبة بشكل قاطع في تركيز هذا المشروع في منطقة “الزملة البيضاء” وذلك نتيجة الخوف من تسرب المواد المشعة للمائدة المائية عند تكديس الفوسفوجيبس لانه يحتوي على عدة مواد خطرة.

 

 

ذات الموقف أكدته رئيسة بلدية الحامة الغربية فائزة الحريزي، في تصريح لموقع “بلا قناع”، مشيرة إلى أنه لا توجد صناعة صديقة للبيئة والبلدية استجابت لصوت المواطن الرافض لانجاز هذا المشروع.

هذا وشدد أعضاء المجالس البلدية بالحامة والحامة الغربية على ضرورة تجسيم الجيل الثالث لحقوق الإنسان الذي يشمل حق التنمية الاجتماعية والحق في بيئة سليمة يستطاب فيها العيش والاستقرار وفق نص البيان.

 

 

من جهتها، أكدت رئيسة بلدية منزل الحبيب برنية العجمي أن هذا الملف شائك منذ تأسيس المجلس البلدي في 2018 وكان من أكثر الملفات المؤثرة بصفة مباشرة في الجو العام وفي أريحية العمل والحسم في اتخاذ القرار بالرفض أو الموافقة على المشروع أخذ الكثير من الجهد والوقت معتمدا على تطور القرارات الحكومية وردود فعل الاهالي لأنه ظل ملفا يشوبه الغموض.

ووفق برنية العجمي فان من ابرز أسباب رفض انشاء المدينة الصناعية الجديدة الصديقة للبيئة أن الأطراف الداعمة للمشروع وهي الدولة ممثلة في المجمع الكيميائي التونسي لم تسعى لتقديم فكرة واضحة وشافية عن فحوى ومحتويات هذا المشروع بل تم طرح الملف كفكرة فقط والمطلوب الموافقة دون ذكر اية تفاصيل تطمئن الاهالي.

فهل ستؤثر هذه المنطقة الصناعية على البيئة خاصة وأن منزل الحبيب منطقة فلاحية بامتياز؟

 

ضد السلم الاجتماعي

من ناحية اخرى فإن الاعلان عن انجاز هذا المشروع في مناطق معينة في معتمدية منزل الحبيب ك”الزملة البيضاء” و”السفية” يعد ضربا للسلم الاجتماعي في الجهة بين فئة من المواطنين ترفض بشدة انجازه وتعتبره صناعة ملوثة وبين فئة ثانية ترحب بانجازه وأعلنت عن استعدادها لبيع الارض لفائدة المشروع لانها ترى انه الحل الامثل لحل مشكل البطالة والتنمية.

واعتبرت برنية العجمني أن معتمدية منزل الحبيب عوقبت على مستوى جهوي بحرمانها من أي شكل من اشكال التنمية نتيجة رفضها للمشروع وكانت المعتمدية ضحية هذا الملف بأتم معنى الكلمة خاصة أنها منطقة فلاحية وذات كثافة سكانية ضعيفة نتيجة نزوح أغلب اهاليها لعدة مدن، كما انه مشروع مفرغ من محتواه ولا يتمتع بجانب كبير من المصداقية.

 

 

كما عبر عدد من المواطنين من بلدية منزل الحبيب عن رفضهم لإنشاء المدينة الصناعية الجديدة فيما أقر عدد آخر موافقته شريطة أن لا يتم تكديس الفوسفوجيبس في أي منطقة من منزل الحبيب.

 

 

جمعيات بيئية تدعم إنشاء المدينة الصناعية

تطالب عدد من الجمعيات الناشطة في المجال البيئي والصحي للمطالبة بتفعيل قرار المجلس الوزاري المنعقد في 29 جوان 2017 الذي تم الاعلان فيه عن تفكيك الوحدات الصناعية الملوثة بالمجمع الكيميائي التونسي وتركيز مدينة صناعية جديدة تكون مستجيبة للمواصفات الوطنية والدولية المعمول بها في المجال البيئي.

وتساند جمعية البيئة والطبيعة بقابس انشاء المدينة الصناعية بمنزل الحبيب بمواصفات وتكنولوجيا حديثة تراعي البيئة وفي منطقة تبعد عن الكثافة السكانية وتدعم مقترح تكديس الفوسفوجبس في اليابسة لكي يتم تخفيف الاضرار نتيجة سكبه في البحر وفق تصريح فؤاد كريم رئيس جمعية البيئة والطبيعة.

 

 

يؤكد نزيه الغودي رئيس جمعية شط السلام للتنمية أن هذا القرار جاء بعد غضب الأهالي ونتيجة نضالات “حراك سكر المصب” وهو قرار ممتاز وكان أهم هدف سعت لتحقيقه كل مكونات المجتمع المدني بقابس. لكن للأسف تعطل انجازه لحد الآن.

 

 

ويشدد الناشط البيئي في حملة “وقف التلوث” خيري الدين دبية على ضرورة تنفيذ قرار تفكيك وحدات المجمع الكيميائي التونسي المعلن في 2017 ونقلها لأي منطقة في ولاية قابس أو خارجها مع ضرورة احترام المعايير البيئية ومراعاة المقبولية المجتمعية.

 

 

لم تقدم الحكومة منذ اقتراح مشروع المدينة الصناعية الصديقة للبيئة ضمانات ملموسة للأهالي منزل الحبيب تحميهم من التعرض لمخاطر التلوث الناجمة عن نقل وحدات الحامض الفسفوري والكبريتي وفق ما ينص الفصل 45 من الدستور على أن “تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي” فهل تسعى الحكومة لدعم أساليب الوقاية من التلوث الصناعي في قابس الذي أصبح من أهم مصادر استنزاف الثروات الطبيعية وتدهور الوضع البيئي والصحي في العديد من الجهات؟

حنان عدوني

Comments are closed.