تعدّ تونس من بين البلدان الفقيرة مائيًا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية أيضًا، بالإضافة إلى الاستغلال المفرط للمياه في قطاعات غير حيوية وغياب استراتيجية واضحة من قبل الدولة للحد من استنزاف الماء وإيجاد حل مستدام لأزمة المياه، حسب ما ورد في التقرير السنوي لقسم العدالة البيئية التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد المنتدى، في تقريره، أن الجفاف أصبح يهدّد تونس بالعطش كما يمثل خطرًا كبيرًا على الأمن الغذائي، مةضحا أن تونس تعيش في السنوات الأخيرة على وقع مشكل كبير في نقص الماء الصالح للشراب نتيجة الجفاف الحاد الذي يضرب البلاد منذ ما يقارب الخمس سنوات.
كما أشار إلى أن سدود تونس تفقد كل سنة حوالي 22 مليون متر مكعب من قدرتها التخزينية بسبب الترسبات وضعف الصيانة وخاصة السدود المعتمدة للتزويد بالمياه الصالحة للشرب مثل سد سيدي البراق والذي بلغ حجم مياهه المهدورة في البحر منذ إنشائه سنة 2002 وإلى غاية سنة 2016، حوالي 3.5 مليار متر مكعب، حسب الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية.
وتقدر نسبة المياه المهدورة داخل شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه أكثر من 24% وتصل في بعض المناطق إلى 30%، نظرًا لتقادم الشبكة واهترائها بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الترسبات.
وقال المنتدى إنه في صورة احتساب الربط العشوائي وسرقة المياه أيضًا التي تصل أحيانًا إلى 8%، فإن ثلث المياه يتم هدره في تونس بسبب تراجع طاقة استيعاب السدود وتقادم شبكة التوزيع.
وفي نفس التقرير، بيّن المنتدى أن استغلال الموارد الباطنية العميقة، سجّل ارتفاعًا بـنسبة 14.5%، ليتطوّر من 117 % خلال سنة 2017 إلى 134% خلال سنة 2020، وذلك من طرف الآبار المرخصة، وخاصة الآبار العشوائية التي يفوق عددها عدد الآبار القانونية، ويشهد عددها ارتفاعًا متواصلاً مما يهدد الموارد المائية.
وتتصدر ولاية قبلي باقي الولايات من حيث عدد الآبار العشوائية بـ 9712 بئرًا، تليها سيدي بوزيد بـ 4855 بئرًا، ثم ولاية القيروان بـ 4671 بئرًا.
واعتبر المنتدى أن هذا الاستنزاف الكبير للمياه عن طريق الآبار العشوائية ناتج عن ضعف الرقابة على الفلاحين والصناعيين وغياب الردع اللازم للمخالفين، خاصةً مع توفر عديد القوانين التي تحجر القيام بعمليات الحفر العشوائية.
كما شدّد على أن الانقطاعات المتكررة للمياه في تونس ونقص مياه الشرب أدت إلى عديد التحركات الاجتماعية المطالبة بالحق في الماء.
وسجل المرصد الاجتماعي التونسي، خلال السداسي الأول من سنة 2023، تنفيذ 131 تحركًا من أجل الحق في الماء.
وأكد أن الانقطاعات أصبحت دورية في ساعات الليل وتصل أحيانًا إلى عدة أيام في بعض المناطق، مع تواصل حالة الجفاف التي تعيشها البلاد ونقص التزويد العادي من المياه واهتراء شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه.
وأشار المنتدى إلى أن انقطاع التزويد بالماء الصالح للشرب في مدينة قصيبة المديوني من ولاية المنستير تواصل على مدى خمسة أيام متتالية خلال شهر أوت/ أغسطس 2023، ودون إعلام مسبق من قبل الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وذلك بسبب اهتراء جميع الشبكات بالمدينة وكثرة الأشغال.
وأضاف أن ولاية المنستير تعتبر المنتج الأول للباكورات في تونس بمعدل يفوق 46 ألف طن أي بنسبة 40 بالمائة من الإنتاج الوطني حيث تضم الولاية حوالي 6250 هكتارًا من المناطق السقوية مقسمة على ستة مناطق ويعد عدد الفلاحين بالولاية حوالي 20 ألف فلاح.
كما تعتبر الموارد المائية الذاتية للولاية ضعيفة إذ تقدر نسبة الموارد الجوفية العميقة بـ 7 مليون متر مكعب مستغلة، بنسبة 120% والمياه الجوفية السطحية تقدر بـ 10 مليون متر مكعب مستغلة بنسبة 84%، وتقدر المياه المتأتية من خارج الولاية التي تغذي جميع المناطق السقوية بـ 7.5 مليون متر مكعب متأتية من سد نبهانة، وتتغير هذه النسبة بتغير معدل امتلاء السد.
وجاء في التقرير أن توفير 230 ألف متر مكعب فقط لفلاحي المنستير، أدّى إلى تراجع المنتوجات بنسبة تفوق 35% في السنة وأثر بصفة كبيرة على المردودية الفلاحية بالجهة، إضافةً إلى ظهور آفات جديدة في التربة نظرًا لقلة سقي الأراضي، كما أن جزءً كبيرًا من حصة الولاية يضيع في شبكة قنوات نقل المياه من سد نبهانة، وذلك بسبب تقادمها واهترائها.
وأضاف المنتدى أن فلاحي الجهة أصبحوا يعانون الأمرين كل بداية موسم فلاحي بسبب نقص المياه والصعوبات التي تعرفها زراعاتهم مما جعلهم يدخلون منذ سنة 2018 في سلسلة من التحركات الاحتجاجية والاعتصامات المتواصلة للمطالبة بحقهم في مياه الري.
وأمام هذه الوضعية الكارثية اضطر العديد من الفلاحين إلى البحث عن حلول بديلة مثل الري بمياه الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه في مناطق مثل طبلبة والبقالطة، وهو أمر يهدد الأمن المائي بالجهة نظرًا لتنامي النزاع حول الماء بين استعماله للشرب أو للفلاحة، ويلجأ البعض الآخر من الفلاحين إلى خلط المياه المالحة بأخرى عذبة في حين يقوم آخرون باستعمال التقنيات المقتصدة في مياه الري من خلال استعمال الصهاريج رغم التكلفة العالية.
كما دفع نقص مياه الري وارتفاع تكلفة الانتاج وأسعار المواد الأولية بعض الفلاحين إلى التخلي عن الزراعة والتوجه نحو القطاعات غير المهيكلة أو إلى الهجرة غير النظامية.
واعتبر المنتدى أن حرمان الإنسان من حقوقه الأساسية يعد من أبرز وأهم المشاكل التي تعاني منها المجتمعات في العالم، كما أن حرمان الإنسان من هذه الحقوق هو السبب الرئيسي في تصدع أساس المجتمعات وتزايد حالات الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي وتوسع أزمة التمييز الطبقي.
وأضاف أن انتهاك الحقوق الأساسية هو أكبر انتهاك لمبادئ حقوق الإنسان ولمفهوم وأهداف التنمية المستدامة، ومن أهم هذه الحقوق هو الحق في الماء الذي تنص جميع المعاهدات الدولية والقوانين على أهميته حيث يعد عنصرًا أساسيًا للتمتع بحياة كريمة ولضمان الحق في الصحة وضمان مستوى عيش لائق.