الهوية الثقافية، هي تعبير عن الحاجة إلى الاعتراف والقبول والتقدير للإنسان كما هو في تفرده وتميزه. ففي الهوية الثقافية تشتغل جدلية الذات والآخر وتعيد كل جماعة بشرية تأويل ثقافتها من خلال اتصالاتها الثقافية، أو قد تنزع نحو المثاقفة- وما يشبهها.. وهي كذلك كائن جماعي حي يتحول ويتغير من الداخل على ضوء تغير المصادر القيمية والسلوكيات، ومن الخارج بفعل أشكال التأثير الخارجي الناتج عن علاقة الفرد بالمحيط.. وأيضا “كيان يصير، يتطو، وليست معطى جاهزا ونهائيا. وهي تصير وتتطو، إما في اتجاه الانكماش وإما في اتجاه الانتشار، وهي تغتني بتجارب أهلها ومعاناتهم، بانتصاراتهم وتطلعاتهم، وأيضا باحتكاكها سلبا وإيجابا مع الهويات الثقافية الأخرى التي تدخل معها في تغاير من نوع ما
إنها الحد المكتسب من المعارف والتصورات والممارسات الفكرية لدى الإنسان في محيطه الاجتماعي، والتي تلقاها لمصلحته ومصلحة هذا المحيط..والهوية الثقافية والحضارية لأمة من الأمم، هي القدر الثابت والجوهري والمشترك من السمات والقسمات العامة، التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات والتي تجعل للشخصية الوطنية أو القومية طابعا تتميز به عن الشخصيات الوطنية والقومية الأخرى..
وفقا للعديد من الدراسات السوسيولوجية، والأنتربولوجية التي تتفق على كون الهوية تُــعدُّ معطى اجتماعيا يقوم على مبدإ التطابق والانسجام، ويحمل دلالات التنوع والتكامل والاختلاف، فإن الهوية تشتغل في التراث الثقافي كشرط وكمناخ؛ فهي سند الإبداع، وشرط الإحساس بالذات والانتماء، بل هي التعبير الصادق عن الذات في أقصى درجات انتشائها واحتفالها، هي بذلك تغدو منطلقا وطريقا وهدفا.. إنها ترتكز على شعور غريزي بالانتماء والمحلية وتظهر ملازمة للثقافة الخاصة في حدود ملامحها الأصلية والأهلية التي تشكل حاملا للهوية الجماعية، أي الهوية القائمة على الإرث الثقافي والسلالة المشتركة (غيرتس 1963).. ومن ثم، فهي تساعد على اكتشاف النسق البنياني للمجتمع حتى يتحول إلى كل منسجم على مستوى الوعي..
المذهب السياسي هو نتيجة ثقافة وافكار وموروث ثقافي ومعرفي في مجتمع ما وتشير عبارة المذهب السياسي إلى العقيدة والفقه السياسي حينما يستهدف به أصحابه هدم النظم والأوضاع القائمة لتنظيم الدولة والمجتمع، وإقامتها على قواعد وأسس جديدة، لذا فإن المذهب السياسي هو بمثابة البرنامج السياسي المتكامل الذي تقدمه تلك العقيدة، وهو إعلان عن جاهزية فكر وفلسفة ومبادئ هذه العقيدة لتوضع كلها موضع التطبيق، وهو يتناول الأهداف والوسائل اللازمة لتحقيقها، وكل ذلك مرتبط عمليا بوجود سلطة، دولة، حكم تتميز إرادته عن إرادة المحكومين لينقل . إلى عالم الواقع القانون هذا البرنامج من عالم النظر القانون. ويلاحظ أن هناك ارتباط بين عبارة الايديولوجية وبين مصطلح المذهب السياسي حيث يستعملها الكثير من الكتاب والباحثين كمترادفين. ومن هنا جاءت تسمية المذهب السياسي بالإيديولوجية، فيقال الايديولوجية الماركسية، والإيديولوجية الليبرالية.
يحظى التراث التاريخي بأهمية فائقة، حيث إنه يمثّل الحاضنة الأساسية للهوية الوطنية، وهو يعدّ بمنزلة ذاكرة الوطن وموروثه التاريخي، ويتضمّن هذا التراث شقّين: أولهما، خاص بالجانب المادي من آثار ومعالم تاريخية معيّنة تجسّد تطوّر المجتمع والمراحل الأساسية التي مرّ بها عبر هذا التطوّر، ومن أبرز مظاهره الأبنية التاريخية والحرف اليدوية والأزياء الشعبية. ثانيهما، ينصرف إلى الشقّ المعنوي، المتمثّل في ما تمّ توارثه من قيم وعادات وتقاليد جيلاً بعد جيل، ومن ثم، فإن التراث التاريخي يقوم بدور كبير في تحديد معالم الشخصية الوطنية للدولة على الصعيد المحلي، وصورتها الذهنية على الصعيد الخارجي.
ذلك ان الموروث الفكري والثقافي التونسي ركيزة أساسية من ركائز هويته الثقافية والسياسية والاخلاقية ، وعنوان اعتزازتونس بذاتيتها الحضارية في تاريخها وحاضرها؛ ولطالما كان التراث الثقافي للأمم منبعا للإلهام ومصدرًا حيويا للإبداع المعاصر ينهل منه فنانوها وأدباؤها وشعراؤها، كما مفكروها وفلاسفتها لتأخذ الإبداعات الجديدة موقعها في خارطة التراث الثقافي، وتتحول هي ذاتها تراثا يربط حاضر الأمة بماضيها، ويعزز حضورها في الساحة الثقافية العالمية. وليس التراث الثقافي معالم وصروحا وآثارًا فحسب، بل هو أيضا كل ما يؤثر عن أمة من تعبير غير مادي، من فولكلور، وأغان وموسيقى شعبية وحكايات ومعارف تقليدية تتوارثها الأمة عبر أجيال وعصور، وكذا تلك الصروح المعمارية المتعددة والمختلفة، وتلك البقايا المادية من أوانٍ وحلي، وملابس، ووثائق، وكتابات جدارية وامثال شعبية ومواقف في المحن والصعوبات ويصبح التراث الفكري والثقافي عموما رصيدا لرجل السياسة وبامكانه اعتباره الايديولوجية الدستورية طالما انها ثقافة نابعة من التراث التونسي الذي واكب على مر التاريخ مستجدات العصر مما يجعل الايديولوجيا الدستورية متحركة غير محنطة عكس عديد الايديولوجيات المنبوذة من طرف التونسيين
يكتب اليكم : نورالدين بلقاسم