اليونيسف : تسببتْ الجائحة بخسائر فادحة للأسر، لكن التحويلات النقدية تساعد في تخفيف العبء

لقد تسببت جائحة كوفيد-19 بخسائر فادحة لمئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، لكن الأطفال وأسرهم هم من يتحمل الوطأة الأشد للأزمة الاقتصادية الناشئة عن الجائحة. فقبل الجائحة كانت أرجحية أن يعيش الأطفال في الفقر المدقع تزيد بضعفين عنها بين البالغين. وحالياً قد يشهد عدد الأطفال الذين يعيشون تحت خط الفقر في بلدانهم زيادة تصل إلى 117 مليوناً، مما يجعل آفاق 700 مليون طفل أقل وضوحاً.

إن الاستثمار في الأطفال والأسر هو استثمار بالمستقبل.

لكن ثمة حل أثبت نجاحه وبوسعه أن يقي الأطفال والأسر من الكارثة المالية، ويمكنهم من استعادة سبل العيش وتحقيق الاستقرار الذي يحتاجه الأطفال ليزدهروا: التحويلات النقدية. وتتمتع الأسر التي تحصل على تحويلات نقدية بقدرة أفضل على الحصول على الغذاء والرعاية الصحية المنتظمة وإرسال أطفالها إلى المدارس، كما تقل أرجحية معاناتها من الإجهاد المُنهِك الذي قد يقود إلى العنف وإلى تراجع الصحة العقلية.

فيما يلي بضعة أمثلة من جميع أنحاء العالم حول الكيفية التي تُحقِّق فيها التحويلات النقدية فرقاً حقيقياً في حياة بعض الأطفال والأسر الأشد ضعفاً:

سيراليون

سيراليون. أم تجلس جنب ابنها
«إيساتو» جالسة مع ابنها «روي» في سوق بمدينة فريتاون في سيراليون

كان 66 بالمئة من الأطفال في سيراليون يعيشون في الفقر حتى قبل الجائحة. وحالياً، مع تعسّر الوضع المالي لملايين الأسر، بات الأطفال يواجهون خطراً أكبر بالتعرض للعنف والإساءات والإهمال.

تقول «إيساتو»، وهي تاجرة غير رسمية من مدينة فريتاون عاصمة سيراليون، إن المبيعات انخفضت بشدة منذ بدء الجائحة، “أحيانا لا أكسب مالاً يكفي لشراء الغذاء، لذا أقدم لأطفالي عشاءً مكوناً من عصيدة طحين المنيهوت المحلاة بالسكر”.

وفّر برنامج للتحويلات النقدية الطارئة بقيادة الحكومة للعاملين غير الرسميين في المناطق الحضرية طوق نجاة للوالدين الذين يكافحون لتوفير الغذاء لأطفالهم، بمن فيهم «إيساتو». وقد ساعدتها التحويلات النقدية الطارئة على تنويع عملها، وتوضّح بأنها تتمكن الآن من إضافة مسحوق الصابون إلى السلع المدرسية التي تبيعها عادة، لتتمكن من إعالة أسرتها على نحو أفضل.

وتقول، “لقد تحسّنتْ المبيعات، لذا صار بوسعي شراء غذاء أفضل لأطفالي. وأنا سعيدة بأنني تمكنت [من ادّخار بعض المال] لمساعدة أطفالي بالاستعداد للعودة إلى المدرسة في تشرين الأول/ أكتوبر”.

وتعمل اليونيسف والبنك الدولي على مساعدة الحكومة في تعزيز تأثير البرنامج من خلال ربط الأسر بالمعلومات الضرورية والخدمات الاجتماعية، بما في ذلك الخدمات المخصصة للتصدي للعنف الجنساني.

تايلاند

تايلاند. امرأة تقف مع أسرتها خارج منزلهم.
«توكا»، يمين الصورة، واقفة مع أسرتها.

تعمل السلطات في تايلاند دون كلل للسيطرة على انتشار كوفيد-19، لكن بات من الواضح أن التأثير الاقتصادي والاجتماعي على الأسر الأشد ضعفاً في البلد هو تأثير شديد. وبينما يُتوقّع أن يتقلص اقتصاد تايلاند بنسبة 8 بالمئة تقريباً في هذه السنة، دعت اليونيسف وشركاؤها إلى اتخاذ إجراءات لتخفيف تأثير الأزمة على الأطفال والأسر. ونتيجة لذلك، بدأت الحكومة بتقديم مبالغ مالية لمدة ثلاثة أشهر للمستفيدين من برامج التحويلات النقدية للتعويض عن خسائرهم، مما يعود بالفائدة على 8 ملايين أسرة، بمن فيها أسرة «توكا».

وتقول «توكا» مشيرة إلى مبلغ الـ 1,000 بات (32 دولاراً) الإضافي الذي تحصل عليه شهرياً بموجب هذا البرنامج، “يجب أن تتوفر لأطفالي فرصة للحصول على تعليم أفضل من الذي توفر لي، وسيساعد هذا المال في تعليمهم”.

سري لانكا

أطفال يلعبون خارج المنزل بكولومبو
أفراد أسرة «واسانا» يلعبون خارج المنزل في كولومبو بسري لانكا.

كانت «واسانا» وأسرتها يعيشون قبل الجائحة حياة مريحة نسبياً كأسرة من الطبقة الوسطى في كولومبو. بيد أن إجراءات ملازمة المنازل الحازمة الرامية إلى وقف انتشار فيروس الكورونا قلبت عمل الاستيراد الذي تزاوله الأسرة — وحياة أفرادها — رأساً على عقب. ومع نضوب العمل، نضبت أيضاً مدخراتهم. وتقول «واسانا» أنها اضطرت لتقليص استهلاك الغذاء وشعرت باليأس، حتى أنها توجّهت إلى وسائل التواصل الاجتماعي لبيع بعض أثاث المنزل.

وتطالب اليونيسف من خلال العمل الذي تقوم به مع الشركاء الحكوميين بتوفير تحويلات نقدية لدعم الأسر من قبيل أسرة «واسانا». وقد وفرت الحكومة دفعات مالية لشهرين، ويُقدّر أنها وصلت إلى حوالي ثلثي الأسر المعيشية في سري لانكا.

وتقول «واسانا»، “لقد وفّرت التحويلات النقدية الطارئة من الحكومة إعانة فورية. وتمكنّا من شراء بعض الغذاء”. ولكنها تقول إنه حتى هذا الدعم لا يكفي لتعيل الأسرة نفسها، “أسرتنا تعاني. تخيّل كيف هو الوضع للناس الذين كانوا يكافحون أصلاً قبل كوفيد”.

مدغشقر

امرأة بمدغشقر تحمل أمها
«إميلي»، وهي مشلولة الساقين، تُحمل إلى داخل حانوت في أنتاناناريفو بمدغشقر.

يعيش أكثر من ثلثي الأطفال في مدغشقر فيما يعرف بالفقر المتعدد الأبعاد — دون إمكانية الحصول على التعليم أو الصحة أو السكن أو التغذية أو الصرف الصحي أو المياه المأمونة. وقد تفاقم وضعهم الفظيع أصلاً من جراء الجائحة التي أجبرت الحكومة على فرض إجراءات لملازمة المنازل تركت العديد من الناس في البلد دون عمل ودون دخل.

وبدعم من اليونيسف وشركائها، استحدثت الحكومة برنامج “توسيكا فامينو” — وهو برنامج للتحويلات النقدية غير المشروطة يوفر 100,000 أرياري (26 دولاراً) للأسر المعيشية التي يتم تحديدها بأنها مستضعفة ومتأثرة بجائحة كوفيد-19.

وتقول «إميلي» البالغة من العمر 49 سنة ومشلولة الساقين، “أتاح لنا برنامج توسيكا فامينو دفع أجرة المنزل لشهرين، وتمكنّا أيضاً من شراء غذاء لحفيدي”.

غواتيمالا

امرأة من غواتيمالا تقوم بالخياطة
«تيلما» تقوم بخياطة كمامة استناداً إلى نموذج قامت بتنزيله من شبكة الإنترنت في غواتيمالا.

كانت اجراءات ملازمة المنازل الحازمة في غواتيمالا مدمّرة لحوالي 60 بالمئة من السكان الذين كانوا يعيشون في الفقر أصلاً. وكانت «تيلما» واحدة من العديد من الوالدين الذين خسروا مصدر دخلهم الرئيسي أثناء الجائحة واضطروا أن يكابدوا للعثور على طريقة لإعالة أسرهم.

ولكن بفضل مساعدة مالية من برنامج حكومي تدعمه اليونيسف والبنك الدولي، تمكنتْ «تيلما» من العثور على مصدر جديد للدخل — صنع الكمامات للوقاية من كوفيد-19.

وكانت أهم أولوية لـ «تيلما» عند استلام الاستحقاقات المالية هي شراء غذاء لأطفالها. وتقول، “كان أكثر ما أخشاه هو عدم القدرة على شراء غذاء لهم”. وهي تستخدم المال أيضاً لشراء الطحين لصنع الفطائر التي تبيعها سعياً لإعالة نفسها. وتضيف «تيلما» ما تكسبه إلى المال المتبقي معها مما يتيح لها شراء قماش لصنع الكمامات استناداً إلى نموذج قامت بتنزيله من شبكة الإنترنت. “أنا أصنع كمامات يمكن إعادة استخدامها، وأبيعها”.

طاجيكستان

امرأة تحمل طفلاً صغيراً في طاجيكستان.
امرأة تحمل طفلاً صغيراً في طاجيكستان.

بما أن طاجيكستان هي أحد أكثر اقتصادات العالم اعتماداً على التحويلات المالية، فقد تأثرت بشدة من جراء الأزمة العالمية. وأورد البنك الدولي في تموز / يوليو أن زهاء 40 بالمئة من الأسر في البلد أفادت بأنها قلصّت استهلاكها الغذائي منذ بدء الجائحة، وتتحمل الأسر المعيشية الأقل دخلاً الوطأة الأشد للجائحة، لا سيما مع بدء نضوب الدعم المالي الذي تتلقاه من أفراد الأسر الذين يعملون في خارج البلد.

ظلت حكومة طاجيكستان، وبدعم من البنك الدولي، توفر تحويلات نقدية طارئة للأسر المنخفضة الدخل التي تعيل أطفالاً: وحصل أكثر من 25,000 من الأسر الأشد فقراً في البلد والتي تعيل أطفالاً دون سن الثالثة على دفعة منفردة بقيمة 500 ساماني (حوالي 50 دولاراً) لمساعدتها في تغطية كلفة المواد الأساسية من قبيل الغذاء والدواء أثناء الأزمة. وقد استَكملتْ اليونيسف وشركاؤها هذه الجهود من خلال إرسال رسائل إلى الأسر حول التغذية الجيدة وأفضل ممارسات تنشئة الأطفال للمساعدة في المحافظة على صحة الأطفال وتمكينهم من تحقيق كامل إمكاناتهم.

رؤية جديدة للمساعدة

بوسع التحويلات النقدية أن تحقق فرقاً هائلاً في حياة الأطفال — عبر مساعدة أسرهم على توفير الغذاء والمأوى والتعليم. ولكن بينما وضعت بلدان عديدة برامج لدعم الأطفال والأسر خلال جائحة كوفيد-19، فإن التباطؤ الاقتصادي العالمي يعني تراجعاً للميزانيات الحكومية، مما يجعل من المستحيل تلبية الاحتياجات المتزايدة لملايين الأطفال.

تعمل اليونيسف مع شركائها لتحقيق تغييرات مستدامة وواسعة النطاق ليتمكن كل طفل في جميع أنحاء العالم من الحصول على الدعم عندما يحتاجه. وإذ يكابد العالم في التعامل مع تأثير الجائحة، فقد آن الأوان لوضع رؤية جديدة لمستقبل أفضل — مستقبل يتم الوصول فيه إلى عدد أكبر من الأطفال بالموارد التي يحتاجونها ليزدهروا.

 

Comments are closed.