منذ قرار السلطات فرض حظر التجول في العاصمة انطلاقا من الساعة التاسعة مساء وحتى الخامسة فجرا تحولت الرحلة اليومية للمواطن مع وسائل النقل العمومي إلى كابوس مستمر سواء تعلق الأمر بالعملة والموظفين والطلبة أو حتى غيرهم من المواطنين في قضاء شؤونهم اليومية إذ ومع بداية حلول المساء في هذه الفترة، تنطلق معاناة آلاف العملة والموظفين الذين يدخلون في سباق زمني وملاحقة وسائل النقل العمومي لتتضاعف المعاناة في نهاية الأسبوع مع التبكير بموعد حظر التجول انطلاقا من السابعة مساء يومي السبت والأحد..
حظر التجول الذي أقرته عدد من ولايات الجمهورية سيما ولايات تونس الكبرى، أدخل تحويرات كبرى في مواعيد سفرات مختلف وسائل النقل العمومية والخاصة، شركة نقل تونس بدورها أدخلت تحويرات في مواعيد سفراتها حيث تكون آخر سفرات خطوطها الطويلة على الساعة 18:30 في الأيام العادية وعلى الساعة 16:30 يومي السبت والأحد، أما بالنسبة للخطوط القصيرة تكون آخر السفرات على الساعة 19:00 في الأيام العادية وعلى الساعة 16:00 في نهاية الأسبوع، كذلك خطوط الميترو شملها التحوير حيث تكون آخر سفرات المترو ساعة قبل توقيت حظر التجول في الأيام العادية وأيام نهاية الأسبوع.
هذه التحويرات والمواقيت الجديدة لمختلف وسائل النقل تسببت في صعوبات كبيرة للموظفين وأصحاب المهن الحرة الذين أصبحت هذه المواعيد تمثل كابوسا لهم، ما أثر سلبا على عملهم وعلى نفسيتهم وحتى حالتهم البدنية والاقتصادية. «الصباح» سلطت الضوء على معاناة هذه الفئة التي تواجه صمت السلط المعنية التي اتخذت قراراتها دون تفكير أو قرارات مكملة لهذه الفئة الموسعة من التونسيين.
قدر المستطاع نحاول التأقلم
السابعة مساء، توقيت عادي للانتهاء من العمل بعد يوم عمل شاق، ساعة ونصف مدة تمضي في الطريق بين وسائل النقل للوصول إلى المنزل، «في الحقيقة هي مدة طويلة لكننا تعودنا عليها»، هكذا كان حديث عبد الستار المناعي تاجر بالعاصمة يقطن بالمرناقية، الذي أكد أنه أن رغم طول المدة التي يتطلبها وصوله للمنزل ورغم قسوة الظروف وتقصير وسائل النقل إلا أنه تعود على ذلك، المهم أن تأتي الحافلة التي تعود ركوبها بعد دقائق من الانتظار في المحطة. لكن في ظل حظر التجول، ما تعود عليه عبد الستار رغم مرارته لم يعد متاحا، ما جعل معاناته مضاعفة بل يمكن اعتبارها شاقة.
عبد الستار أكد في حديثه لـ»الصباح» أن الحافلة التي تنطلق من محطة الحبيب ثامر على الساعة السابعة مساء، أصبحت سفراتها غير منتظمة نتيجة حظر التجول، إلى جانب الاكتظاظ الذي أصبحت تعاني منه الحافلة بسبب كونها آخر حافلة والكل يحاول أن لا يضيعها. هذه الأيام مواعيد الحافلة أصبحت غير منتظمة بسبب امتلائها بسرعة ما يجعل سائقها يغادر المحطة حتى قبل توقيتها، هذه الوضعية أصبحت تجعله في مأزق بسبب عدم قدرته أحيانا على العودة للمنزل، وذلك لأن خروج الحافلة قبل وقتها يجعله متأخرا ما سيتسبب في عدم وصوله إلى النقل الجماعي من محطة الدندان في اتجاه المرناقية.
عبد الستار يضيف في حديثه أن المعاناة مع النقل تختلف من شخص لآخر كل حسب طبيعة عمله وبعد مقر عمله عن مقر سكناه، متحدثا عن أحد أصدقائه الذي اضطر في أحد الأيام الماضية بعد أن داهمه وقت حظر التجول ولم يجد سبيلا للعودة للمنزل وخوفا من عقوبة خرق حظر التجول توجه إلى مركز الأمن لسرد وضعيته، وفعلا تجاوب معه الأعوان ولم يقصروا في حقه، حسب تعبيره، حيث قاموا بإيصاله إلى وجهته.
جهد وتكلفة مضاعفة
من منوبة إلى رواد، في الأيام العادية وسائل النقل بينهما متوفر وبكثرة، لكن الوفرة لم تعد متاحة مع إقرار حظر التجول بحسب ما حدثنا عنه مصطفى، الذي أكد أنه بالرغم من الانتهاء باكرا من عمله إلا أنه أصبح يواجه صعوبات جمة في العودة إلى منزله.
فالاكتظاظ والنقص في الحافلات وسيارات التاكسي والنقل الجماعي، يبدأ من الساعة الخامسة مساء ما يجعل سفرته بين مقر العمل والمنزل سفرات، مصطفى سرد في حديثه لـ»الصباح» عن بعض من محاولاته اليومية في الحصول على وسيلة تعود به لمنزله، حيث يبدأ مشواره بمحاولته الحصول على مقعد في حافلة من محطة الحبيب ثامر، وبعد طول انتظار ويأس يقرر التغيير ويتوجه لمحطة النقل الجماعي أسفل جسر الجمهورية، محاولا في طريقه إلى هناك الحصول على سيارة تاكسي، وهو متأكد أن الحظ لن يحالفه في ذلك حيث تقل حركة سيارات التاكسي في ذلك التوقيت، وإن وجدت فهي مضيئة بالأخضر. ويواصل مسيره ومع وصوله للمحطة يحاول حجز مقعد بأحدى السيارات، وبعد محاولات عدة من الركض والزحام والتشاجر والتشكي، ييأس مرة، ليقرر بعد أن أصبحت الساعة تشير إلى الثامنة مساء العودة إلى منزله مشيا على الأقدام، ساعة قبل حظر التجول ربما تكفيه للوصول إلى المنزل وإن لم تكفيه فإنها تجعله قريبا منه بشكل يبعد عنه أي نوع من أنواع المضايقات.
يواصل مصطفى حديثه بعد إن اتخذا قرارا بالعودة إلى المنزل مشيا على الأقدام، حيث يستمر بحثه وهو في طريقه إلى المنزل عن مكان شاغر في إحدى سيارات النقل الجماعي التي تسير في عكس اتجاهه، وبعد مسافة ليست بالقصيرة مشيا على الأقدام حالفه الحظ حيث توقفت له إحدى السيارات ليمتطيها ويعود أدراجه، ومن هناك يحافظ على مكانه لحين امتلاء بقية الكراسي التي لا تأخذ أكثر من 10 ثوان حتى يعود إلى المنزل.
مصطفى اعتبر أنه منذ إقرار حظر التجول أصبحت معاناته يومية من أجل العودة إلى المنزل، فعلى غرار الصعوبات التي يلاقيه للحصول على وسيلة نقل إضافة إلى الضغط النفسي الذي يتعرض له والمخاطر الصحية حيث يصعد بالسيارة عدد الركاب أكثر من المسموح به، فإن ذلك أصبح يمثل بالنسبة له تكلفة مضاعفة نظرا لأنه يدفع مرتين لصاحب النقل الجماعي ثمن رحلتين رغم قصر المسافة الأولى.
نقل غير منتظم ووضعية كارثية
بمحطة باب الخضراء بالعاصمة، الساعة تشير إلى الثالثة والنصف مساء، هناك قابلنا حسن الغربي الذي كان ينتظر الحافلة المتجهة لسيدي ثابت والتي تغادر على الساعة 16:30 هي الأخرى آخر حافلة تتجه إلى هناك. وفي حديثه لـ»الصباح» اشتكى حسن الغربي من غياب النظام والتنظيم في سفرات وسائل النقل ما يضطر العملة وفئات كبيرة من المجتمع وهو واحد منهم، حسب تعبيره، إلى البحث عن حلول تتماشى مع وضعياتهم، إما إيجاد مكان للإقامة مؤقتا قرب مكان العمل، أو التعويل على وسائل النقل الخاصة على غرار سيارات التاكسي مع ضرورة التنسيق مسبقا لأن ذلك غير مضمون دون الحديث عن المصاريف الإضافية التي لا يقدر عليها العامل العادي، أو الهروب من العمل قبل الوقت إما بتصريح أو دون تصريح من المشغل مع تحمل عواقب ذلك في صورة حصول إشكال.
وكان الغربي في حديثه مستاء من عدم تفكير المسؤولين عند اتخاذهم لهكذا قرارات في الفئات الضعيفة والهشة والتي عددها ليس بقليل، متسائلا عن كم الصعوبات والعراقيل والمشاكل والمواقف الصعبة التي واجهت هذه الفئات مع الأمن عند خرقها لحظر التجول أو مع مشغليها أو عند عدم إيجادها لوسيلة تعود بها إلى المنزل.
مضطرون للعمل من أجل ما بعد «كورونا»
حسن الغربي أضاف أنه لولا الالتزامات والواجب الموكول له للمحافظة على استمرارية العمل، فإن بقاءه في المنزل هذه الفترة أفضل بكثير من العمل، لأن كل الظروف حسب تعبيره، لا تتلاءم ولا تساعد على استمرار ذلك، بل إن ذلك يكلفه مصاريف إضافية قائلا «إن كنت سأضطر يوميا لأخذ سيارة تاكسي، فإن بقائي في المنزل أفضل من العمل لأني بذلك سأربح راحتي الجسدية والنفسية».
وأنهى الغربي كلامه بالحديث عن معاناته الشخصية مع النقل خلال فترة حظر التجول، حيث يضطر أحيانا إلى أخذ أكثر من وسيلة نقل لتقريبه أكبر قدر ممكن من منزله، لكن ورغم ذلك تبقى مسافة 10 كيلومترات لا توجد وسيلة نقل تأخذه فيها إلا الحافلة التي لم يحالفه فيها الحظ، ما يضطره إلى قطعها مشيا على الأقدام، 10 كيلومترات على الأقدام –وهذه ليست المرة الأولى- يحاول ابنه قدر المستطاع اعتراضه في آخر كيلومترين منها على دراجته النارية، رغم تخوفه من أن يحتجز الأمن درجته لأن وقت حظر التجول دخل حيز النفاذ.
فوضى النقل وعادة التأخير
من جهته محمد تحدث لـ»الصباح» عن صعوبات ونقائص بالجملة يعاني منها النقل في تونس بصفة عامة، والتي لم تقتصر على فترة حظر التجول فقط، بل أصبح التأخير وعدم الانتظام عادة في وسائل النقل العمومية.
ويضيف في حديثه أنه ينهي عمله على الساعة 16:00، إلا أن ذلك لا يشفع له بالوصول باكرا للمنزل، حيث يبقى لأكثر من 3 ساعات وأحيانا 4 ساعات للوصول إلى برج شاكير. واصفا مساره اليومي إلى منزله حيث يستقل أكثر من وسيلة نقل بين ميترو وحافلة ونقل جماعي، مؤكدا أنه أحيانا يوقفه الأمن نتيجة دخول حظر التجول حيز التنفيذ، مذكرا من جديد بأنه أنهى عمله على الساعة 16:00 ورغم ذلك لم يصل بعد وخالف حظر التجول، مشيرا إلى تفهم أعوان الأمن في مثل هذه الوضعيات الذين يتركونه يتابع مساره دون تعطيل أو تعقيد.
اكتظاظ.. ولا يوجد احترام للبروتوكول الصحي
وفي سياق آخر وفي علاقة بمخاطر وصعوبات التنقل، تحدث فتحي الذي إلتقيناه ينتظر الحافلة بمحطة باب الخضراء على الوضعية المزرية بالحافلات حيث الاكتظاظ والغياب التام لأي إشارة تدل على احترام البروتوكول الصحي، ملخصا حديثه عن ذلك بوصفه للحافلات قائلا «أحيانا تخرج الحافلة بأبواب مفتوحة من كثرة من فيها، هذا مشهد عادي بالنسبة لوسائل النقل في تونس، لكن خطير عندما تكرر هذه المشاهد بصفة يومية في ظل خطورة الوضع الصحي الذي تعيشه البلاد».
وقد أكد محدثنا في ذات السياق عن الخطورة التي تمثلها وسائل النقل خاصة منها العمومية على غرار المترو والحافلة والتي تشهد اكتظاظا رهيبا، ما قد يجعلها سببا في انتشار العدوى… بل ربما قد تكون هي السبب في ما نعيشه اليوم من ارتفاع وانتشار سريع لعدد الحالات الإيجابية وخاصة الإصابات الأفقية المجهولة المصدر، بحسب ما تحدث عنه حسن الغربي، الذي أكد أيضا غياب أبسط التزام بالبروتوكول الصحي.
أما محمد فقد تساءل باستغراب، كيف استثنت الحكومة وسائل النقل من البروتوكول الصحي الذي وضعته، معتبرا أن ما يراه يوميا في وسائل النقل العمومية والخاصة يتعارض إلى حد التناقض مع البروتوكول الصحي الذي تتحدث عنه الحكومة، خاصة فيما يخص إجبارية ارتداء الكمامة والأهم حديثها عن التباعد الجسدي.
في حين تساءل حسن عن دور الحكومة في مراقبة الحالات الكارثية التي تعيشها وسائل النقل، معتبرا أنه إن عملت الحكومة على لفت النظر لهذا الجانب، بتوفير مزيد من الحافلات وقت الذروة بشكل مسترسل على جميع الخطوط فإن ذلك قد يساهم في إمكانية تجاوز تونس لهذه الوضعية من الانتشار السريع للوباء والخروج بأخف الأضرار الممكنة، لأن حالة الاكتظاظ اليومي في وسائل النقل تعد السبب الرئيسي في تزايد العدوى، حسب تعبيره.
حظر التجول ضرورة ولكن…
لئن يعتبر حظر التجول قرارا ضروريا في ظل الارتفاع السريع لعدد الحالات اليومية، فإن إيجاد حلول للنقل خاصة لأولئك الذين ينهون عملهم ساعة أو دقائق قبل توقيت حظر التجول ضرورة، لأن أولئك –وهم فئة واسعة من المجتمع- أكثر فئة تجد صعوبات في التنقل وتتعرض لتضييقات من الأمن بسبب اعتبارهم ليسوا من أصحاب المهن الليلية وليست لديهم تراخيص من جهة، ومن جهة أخرى بسبب عدم قدرتهم على الخروج باكرا وإيجاد وسائل نقل تعود بهم إلى مقر إقامتهم .
وحل هذا الإشكال يكمن حسب ما تحدث به عدد من الأشخاص لـ»الصباح» إما في فرض حظر تجول عام لمدة قصيرة -4 أيام مثلا- عوضا عن حظر تجول في الليل فقط لمدة 15 يوما، أو ضرورة التنسيق مع جميع المؤسسات على ضرورة ترك المجال لعمالها حتى يجدوا لأنفسهم وسائل نقل تعود بهم للمنزل، أو أفضلهن حسب تعبير عدد من محدثينا هو السماح بالتجول لأصحاب سيارات التاكسي ووسائل النقل العمومية والنقل الجماعي ساعة أو ساعتين بعد توقيت حظر التجول لضمان عودة العملة إلى منزلهم سالمين من جهة ولضمان عدم تعطل المؤسسات من جهة أخرى.
◗ أحمد كحلاني