کشف راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، عن خارطة طريق بنقطتين للتنفيس من حدّة الخلافات التي تهدّدُ بانهيار سقف البيت النهضويّ على رؤوس الجميع.
وتقضي خطة رئيس الحركة التي تولّى كلّ من عبد الكريم الهاروني ورفيق عبد السلام ترويجها داخل الأوساط النهضوية وخارجها، في بحر الأسبوع الماضي، بالقبول بمطالب مجموعة المائة، أو مطلبها الوحيد المتمثّل في عدم ترشّح الرئيس لعهدة جديدة والقبول بمبدأ التداول على رئاسة الحركة، مقابل شرطين رئيسيين: الأوّل، تأجيل مؤتمر حركة النهضة القادم إلى العام 2023 لكي يتزامن مع الاستحقاقات الانتخابية في سنة 2024، واستحداث منصب جديد للغنوشي، هو منصب زعيم الحزب، على ألا يكونُ هذا المنصبُ شكليّا، بل يتمتع بصلاحيات مماثلة إن لم تكن تفوق صلاحيات الرئيس، لـ”الاستفادة من خبرات الغنوشي ومن إشعاعه الداخليّ والخارجي”. بعبارة أخرى، قام راشد الغنوشي بالاستيلاء على مطلب مجموعة المائة بخصوص تفعيل مبدأ التداول وتولّى دفنهُ رسميّا، في إطار لعبة “الوجه و القفا”، تأبّدُ وجودهُ على رأس الحركة إلى ما لا نهاية.
اللعب على المكشوف
وبهذا الخصوص، قد ينبري بعضُ الغلاةِ من الأنصار المتحمّسين ل”بدر” الحركة الثمانيني إلى التأكيد على أنّ المقترح الأخير، ما هو إلاّ وساطة قام بها الثنائي الهاروني وعبد السلام لرأب الصدع بين شقّي النزاع داخل الحركة، وساطة تهدفُ إلى عقد مؤتمر توافقيّ يناقشُ جذور الخلاف العميقة بين أبناء الحركة ويدفعُ في اتجاه تبنّي مطالب الجميع، بمعنى آخر، سيخلصُ المؤتمر إلى القبول بمطلب مجموعة المائة في التداول على رئاسة الحزب، ومن ثمّة انتخاب رئيس جديد للحركة، بالمقابل سيحظى الشيخ بفرصة المواصلة عبر استحداث منصب “زعيم للحركة”، يتمتّع فيه الغنوشي بصلاحيات مماثلة لرئيس الحزب.
والحقّ أنّ مذاق الطبخة الجديدة تفضحهُ الرّائحة، فما قدّم على أنّه “وساطة” ليس في واقع الأمر سوى مخاتلة قانونية تهدفُ إلى إسقاط مطلبيات مجموعة المائة وإحراجها أمام الأنصار. وما صوّرته مبادرة الثنائي الهاروني- عبد السلام (وهي مبادرة راشد الغنوشي في الواقع) على أنّهُ “حلّ توافقيّ” لأزمة قانونيّة تتعلّقُ بخلافٍ لا في تأويل الفصل 31 من القانون الأساسي للحركة وإنّما في دواعي الالتزام به حرفيّا، ما هو إلاّ إعادةُ إخراج لسيناريو قائم منذ البداية أي التمديد للغنوشي لكي يتسنّى لهُ رسميّا الترشّح للاستحقاق الرئاسي في العام 2024.
ههنا تبدو لعبة “الوجهُ والقفا” مفضوحةً أكثر، إذ لعب الشيخُ ومجموعته من “القلّة الناجية” ورقةً مكشوفةً للجميع، وهي أنّ الاستمراريّة على رأس الحركة ليست خيارًا ديمقراطيّا أمره متروك للقواعد أو للقيادات أو حتّى للطامحين في خلافة الغنوشي لكي يبتوا فيه بالقبول أو الرفض، بل هي “حتميّة” متنطّعة على القانون والهياكل ومبادئ التسيير الديمقراطي، طالما أنّ ترتيبات الوضع العام في البلاد من ناحية، ورغبات الشيخ الثمانيني الذي يكرهُ ألا يقابل ربّه رئيسًا للجمهوريّة، أسوة بالراحل الباجي قائد السبسي، من ناحية أخرى، هما ما باتا يتحكّم تمامًا في تسيير الأمور داخل الحركة الإسلاميّة.
الغنوشي زعيمًا.. الغنوشي رئيسًا..
والحقّ أن مباشرتيّة المبادرة الواضحة، وهي مباشرتيّة تميلُ أكثر إلى إرضاء ذات متورّمة، منكفئة على أعطابها النفسيّة، ورافضة لمبدأ التداول على رئاسة الحزب، تكشفُ إصرار الغنوشي على التمديد، مهما كانت طبيعة عناوين هذا التمديد، وكأننا أمام وقف خيريّ لا أمام حزب، هو الأكبرُ في البلاد.
فالدعوةُ إلى إعلان الغنوشي زعيما للحزب، مع توفير الأرضيّة القانونية لهذا المنصب، ومنحه صلاحيات هامة، لعلّ أهمها على الإطلاق، أن يكون “الزعيم”، لا “الرئيس”، هو منها مرشح الحركة الرسمي للمناصب السيادية في الدولة، واستحداث “مجلس استراتيجي” لا يتصادمُ مع المكتب التنفيذي نظريّا، لكنه يلغي دورهُ عمليّا، تعودُ رئاستهُ إلى الزعيم، ما هي إلا عناوين متشابهة لمضمونٍ وحيد “الرئاسةُ مدى الحياة”.
ومن ثمّة فإن مساعي تبرير هذه “الصفقة” تسقطُ كلّها أمام اختبار نفسيّ بسيط، ذي علاقة بمسار الغنوشي نفسهُ، وهو مسارٌ متقلّبٌ تاريخيا. فالرجل قطع على ما يبدو نهائيا مع مصطلح “المرجعيّة الدينية”، وهو مصطلحٌ يعدُّ بندًا مقدّسا في دساتير الحركات ذات الإرث العقائدي الباطني، مفضلا عليه مصطلحًا “شيوعيّا” بالأساس، هو مصطلحُ “الزعيم”، مقتربا أكثر من تراث ديكتاتوريّ، كانت تونس بشتى حساسياتها قد لفظته في الرابع عشر من شهر جانفي العام 2011، وفق منطقٍ اقتصادي وعوائليّ بحت، عامدًا إلى تطهير حزبهِ من الرؤوس المناوئة التي تعرف أنّه لا يحقّ له قانونا الترشّح لولاية ثالثة وربط الحركة باسمه إلى الأبد.
وهوما تؤكدُه في واقع الأمر تلك الرسالة الشهيرة التي راجت داخل الأوساط النهضوية قبل أن تأخذ طريقها في بحر منصات التواصل سربًا، رسالة صوّرت الرفيق “الغنوشي” كزعيم لا يخطئ، ذي الجلد الخشن، تدور الحركة في فلك كوكبه الدرّي، ونجمه الصاعد، دون أن تنجح، مع ذلك، في إخفاء حقيقة أنّ الزعيم تماهى إلى حدّ يصعب الفكاك منه مع جبّة رجل السلطة أو “البيزنس مان” الثمانيني الذي أحلّ العائلة والثروة، محلّ كلّ مقولات الحركة التأسيسية، القديمة منها أو المحيّنة، وهذا رأي قياداته فيه وليس رأينا.
إنّ ما يبحث عنه راشد الغنوشي ببساطة هو التالي: لقاء ربّهِ رئيسًا أسوةً بخصمه الحميم، الرئيس الرّاحل الباجي قائد السبسي، الذي كان يتهيّأ في العام 2019 لإعلان ترشّحه إلى عهدة رئاسيّة ثانية قبل أن تسبقهُ يدُ المنون إلى ذلك.
وفي الواقع، ليس الغنوشي وحدهُ من يعاني من هذه الأعراض القاتلة لكلّ نفسٍ تجديديّ أو تشبيبي تحتاجهُ الديمقراطيّة لكي تتطوّرَ ومن ثمّة تنهضُ بأحد أوكد واجباتها وهو الإصلاح، بل إنّ أغلب عجائز وشيوخ الطبقة السياسة في تونس يعانون من هذا المرض العضال، مرضٌ سبق لهم أن اتخذوهُ كتهمةٍ رموا بها الزعيم الحبيب بورقيبة أو خلفه زين العابدين بن علي. بيد أنّ الأمر مع الغنوشيّ يختلفُ كثيرًا، ذلك أنّهُ يشغلُ منصب رئيس الحزب الأوّل في البلاد (من جهة نتائج انتخابات العام 2019)، ومن ثمّة يعدُّ إصراره على “التمديد” لنفسه مغامرة غير محسوبة العواقب، ومفتوحةً على المجهول.
A fantastic approach to determine the gap between casual and formal essays is by top essay services asking yourself the following question:”what’s the purpose of this writing exercise?”In short, the essay is a part of literature that’s written to express a particular view or point of view about a specific topic.