بمعدّل ألف وخمس مائة اصابة و50 وفاة كلّ 24 ساعة، وتحذيرات مستمرة من النخبة الطبيّة التي تؤكد بلوغ مرحلة اللاعودة، لا أثر لأي ادارة سياسية محينة وجدية لادراة الأزمة التي تكافحها الحكومة بـ “حظر جولان ليليّ”، يبدو أن التعمال مع الأزمة الصحة لها جانبان، جانب طبي مهني يقظ ويواصل اقتراح الحلول وجانب سياسي يحاول تنسيب الأمور والتفكير دوما في الرهان الاقتصادي.
وزير الصحة فوزي مهدي، والذي يواصل حجره الصحي بعد قدومه من المؤتمر الدولي للصحة المنعقد في ايطاليا، لم يستبعد إمكانيّة تخصيص العطلة القادمة لفرض الحجر الصحّي من يوم الخميس 29 أكتوبر الى الأحد 31 أكتوبر، معلنا في حوار لجريدة المغرب أنّه سيتم عرض هذا المقترح على الحكومة للنظر فيه في مجلس وزاري إلى جانب إجراءات أخرى لتعزيز الإجراءات الوقائيّة السابقة.
وأكد الوزير أنّ فرض الحجر الصحيّ الشامل في البلاد غير وارد منتقدا أن 60 بالمائة من التونسيين غير واعون بحقيقة الوضع الصحي و محذرا من أن البلاد دخلت في المرحلة الرابعة لتفشي فيروس كورونا التي تتمثل في انتشار عدوى مجتمعية يصعب فيها تتبع الحالات والتعرف على مصدر العدوى.
تعيش البلاد مع بداية فصل الشتاء النتائج الوخيمة لفصل صيف من التراخي واللامسؤولية المشتركة بين أجهزة الدولة التي فضّلت انقاذ ماتبقى من اقتصادها وبين المواطنين الذين انتقموا من أشهر الحجر الصحي. رغم 3 أشهر من رفاهية الزمن العادي، لم يستوعب المواطنون بعد ضرورة العودة الى زمن الطوارئ الذي يقتضي الحذر والالتزام. وصل عدد الاصابات وفق اخر تحيين الى 52399 وقارب عدد الوفايات الألف حالة أكثر من 80 بالمائة منها كان بعد قرار فتح الحدود في شهر جوان. وشهد الرسم البياني لارتفاع عدد الوفايات قفزة كبرى بين شهري سبتمر وأكتوبر لنصل بتاريخ اليوم الى ذروة الرسم. ولا تتعلق الذروة فقط بعدد من خسرناهم جراء الحفاظ على التكلفة الاقتصادية بل كذلك بطاقة استيعاب المستشفيات التي تتقلص كل ساعة.
ورغم الترفيع في عدد الأسرة المجهزة بالأوكسجين في القطاع الصحي العمومي من 400 إلى 1200 سرير ومساهمة القطاع الخاص بـ 700 بحلول شهر نوفمبر ورفع عدد اشرة الانعاش الى 220 سريرا مع نهاية نوفمبر المقبل ودخول عدد من المستشفيات الميدانية حيز العمل، الا أن كل المؤشرات تنذر بقرب انفلات الخطر من كل عقال.
انتظر المواطنون من اجتماع رئيس الحكومة هشام المشيشي مساء أمس مع اللجنة العلمية لمكافحة الكورونا اتخاذ اجراءات اضافية، لكن بيان رئاسة الحكومة الذي جاء في ساعة متأخرة لم يتضمن سوى جمل انشائية بين استمع وتفهّم وأوضح وأشرف لم تتضمن أي ارادة سياسية، وكانت تعليق المواطنين تحت منشور القصبة تعبر عن الخذلان وخيبة الأمل من هذا الاجتماع الليلي الذي لم يحمل أية اضافة.
في تصريح سابق أوردته بيزنس نيوز كان الحبيب غديرة عضو اللجنة قد أكد أن الأطباء في اللجنة قرروا رفع مقترحاتهم للقصية أمام الخطر الحقيقي وتواصل الارتفاع الصارخي للأرقام وعدم وجود أي نتيجة لقرار الحظر، وأعلن الدكتور أنهم فكروا في نفاد أسرة الإنعاش والأكسيجين بسبب تجاوز طاقة استيعاب المستشفيات مع موفى شهر أكتوبر مشددا على أن تواصل الوتيرة التصاعدية لمعدل ينذر بعجز النظام الصحي عن التكفل بالمرضى.
اللجنة العلمية اقترحت على المشيشي اعلان الحجر الصحي الاجباري على المسنين لأنهم الفئة الضعيفة ومنع التجول بين الولايات، وتخفيض الضغط على المستشفيات و تعزيز فضاءات الحجر الصحي الإجباري لتجاوز إشكالية عدم الالتزام بالحجر الصحي الذاتي الذي ظل تطبيقه نسبيا وتابع أن الأسبوع الجاري سيكون الأخطر للبلاد على مستوى تطور حالات الإصابة والوفيات وكذلك على أسرة الإنعاش والأوكسجين.
المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض المستجدة نصاف بن علية كان لها مداخلات اعلامية عديدة بداية هذا الاسبوع صبت كلها في مقاربة التحذير ورفع درجة الوعي واليقظة والتذكير بالواقع الفعلي لعدد الحالات. الطبيبة والناطقة باسم وزارة الصحة أكدت أنه لا يوجد أن تحسن ايجابي أو نتائج حقيقية لحظر الجولان غير مستبعدة اقتراح الحجر الشامل، ومشددة على أن الوضع خطير. بن علية واصلت التذكير بأن الاستراتيجية الحالية هي كسر المنحى التصاعدي للفيروس حتى لا تنهار المنظومة الصحية بسبب محدودية طاقة استيعاب المستشفيات. وأعلنت أن اللجنة العلمية فكرت وقررت اقتراح مواصلة كل التدابير الاستثنائية للحد من انتشار الفيروس والإبقاء حظر الجولان وتعزيز ذلك بقرارات حاسمة.
الدكتور سهيل العلويني مستشار منظمة الصحة العالمية للكوفيد في تونس لم يكن كلامه بعيدا عن النبرة التحذيرية لزملائه.
“الوضع خطير جدا ونحن نقترب من الانفلات، اسرة الانعاش تواشك على بلوغ الطاقة القصوى والمستشفيات مكتظة وحتى القطاع الخاص يقترب من طاقته القصوى وأسرة الاوكسجين كذلك نسق الارتفاع في الاصابات والوفيات سريع وعدد الوفيات الحالي متأخر ولا يعبر عن الوضعية الحقيقية. العدوى خرجت عن نطاقنا وأصبحت غير قابلة للسيطرة والمرحلة الرابعة التي نعيشها هي الذروة والأخطر. الان حاليا لا نعرف من يحمل الفيروس والأرقام قد تكون ضارب عشرة.” يفسر الدكتور.
وفي حين أن الأطباء يحتاجون للدعم المادي والمعنوي مقابل الشح في ادوات الحماية وظروف العمل الرديئة فان معانتهم تستمر وهم على الخطوط الاولى لا فقط بسبب الوضع الصحي بل بسبب تكرر الاعتداءات على الطواقم الطبية واخرها حادثة اقتحام استعجالي الرابطة في الليلة الفاصلة بين 23 و24 اكتوبر 2020 من قبل مجهولين والاعتداء بالعنف على الاطار الطبي وشبه الطبي.
يتعرض أكثر من الف طبيب ومختص في الصحة سنويا للاعتداء في مقر عمله ويكون الاعتداء في 99 بالمائة من الحالات من مرافق المريض وليس من المريض نفسه. 400 قضية ترفع سنويا من قبل أعوان الصحة ضد مواطنين اعتدوا عليهم، ومن المرجح أن هذه الارقام ارتفعت السنة الحالية بسبب الأزمة الصحية.
المنظمة التونسية للأطباء الشبان، أعلنت عن ايقاف العمل بقسم استعجالي الرابطة بداية من يوم 26 أكتوبر 2020 واقتصاره على الحالات الاستعجالية القصوى في حصص الاستمرار بالنسبة للأطباء المقيمين والداخليين. رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان جاد الهنشيري أعلن تخفيض العمل بهذا القسم الى الحد الادنى، بسبب تردي الوضع الصحي بالقسم ونظرا لعدم سلامة الاطارات الطبية وشبه الطبية، بعد حادثة العنف الأخيرة التي تسببت لطبيب مقيم بالقسم في اضرار جسدية فادحة كذلك الامر بالنسبة الى ممرضة، وتهشيم المعدات الطبية.
حمّل الهنشيري، مسؤولية الاعتداء على قسم الاستعجالي الى الدولة بالأساس، مؤكدا أن الدولة تتحمل المسؤولية ازاء خطورة ما يحدث في اقسام الإنعاش، من نقص في الموارد البشرية لسنوات، دون التعجيل بالانتداب، وكذلك نتيجة لارتفاع عدد الإصابات بكوفيد 19 في صفوف الاطارات الطبية وشبه الطبية متساءلا عن مصير التبرعات التي وقع جمعها لمجابهة وباء كوفيد 19، وأسباب عدم صرفها لتعزيز المستشفيات بالطواقم الطبية. .
وفق اخر تحيين، ترتفع يوميا الاصابات بكورونا في صفوف الاطارات الطبية وشبه الطبية حيث تم تسجيل 300 إصابة في صفوف الأطباء والممرضين وعمال المستشفيات. تتواصل الوفايات اليومية في صفوف خيرة اطباء البلاد والممرضين والصيادلة وهم يؤدون واجبهم المهني والانساني.
عبير قاسمي