أزمة قانون المالية التكميلي 2020: لماذا رفض البنك المركزي تمويل الحكومة؟

جدل جديد تفجّر في المشهد التونسي عقب رفض البنك المركزي تمويل مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020 للمرة الثانية، واضعا حكومة المشيشي في مهب الريح بعد أقل من 3 أشهر على توليها مهام الدولة.
رفض البنك المركزي التاريخي لقانون المالية التكميلي جاء نتيجة قراءة للوضع الاقتصادي التونسي الذي يسجل عجزا قياسا غير مسبوق في الميزان التجاري بلغ 14% ونسبة تضخم عالية قاربت 7% في الأشهر الأخيرة، في نفس الوقت يتزايد الضغط المسلط على البنك المركزي من الإطراف السياسية العليا ممثلة في رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة لطرح مشروع قانون يحد من استقلالية البنك المركزي ويزيد من دعمه المباشر لميزانية الدولة.
القراءة التي قدمها مجلس إدارة البنك المركزي تبرز الاختلاف الجذري بين تمشي الحكومة وتمشي البنك المركزي الذي يرى أن نسبة عجز الميزانية غير المسبوقة والمقدرة بـ%13.4 من الناتج المحلي الإجمالي لا تفسر في معظمها بتداعيات أزمة الكوفيد ، بما يعني أن الحكومة الحالية قد أقحمت أشياء إضافية لا علاقة لها بمقاومة هذه الجائحة والتي أدت إلى هذا الانفلات الخطير .
الالتجاء إلى آلية التمويل الداخلي يعني ببساطة قيام البنك المركزي بضخ دفعات مالية ضخمة مباشرة في الميزانية دون وجود معادل تنموي واقتصادي لها أو موارد واضحة لسد هذا العجز،ما يسلّط ضغوطا تضخمية إضافية وتراجع لقيمة الدينار وانخرام التوازنات المالية في ترقيم يتراجع من سيء إلى أسوأ .
هذا السيناريو المرعب هو ما يخشى البنك المركزي من الوقوع فيه والحال أن قانونه الأساسي يفرض عليه “الحفاظ على استقرار الأسعار” وكذلك “الحفاظ على الاستقرار المالي” كما جاء ذلك في الفصل السابع من قانون عدد 35 المؤرخ في 25 أفريل 2016.
توجه الحكومة نحو الحلول السهلة بتعويض العجز الحاصل في الميزانية عبر التمويل الداخلي له عدة أسباب أهمها الافتقار إلى آليات حازمة لضبط التداول النقدي السائل في السوق، العجز عم مكافحة التهرب الجبائي سواء عبر اتخاذ إجراءات قانونية وقضائية استنادا لدائرة المحاسبات او حتى الشلل المطلق الذي أعجز الحكومة عن تنفيذ أحكام قضائية نافذة في حق رجال أعمال متهربين ضريبيا ولهم نفوذ واسع في الدولة.
غول التهريب والسوق الموازية الذي يخيم على الاقتصاد التونسي منذ عقود وتضخم ليستحوذ على 63% من الميزانية هو أيضا أحد الأسباب الرئيسية لانهيار الوضع الاقتصادي والانخرام المالي الذي تعيشه السوق التونسية ولم تجد نفعا الإجراءات الوقتية والحملات الظرفية التي تقوم بها الهياكل الحكومية للحد منه، رغم أن الوضع يحتم تقديم مبادرة تشريعية لإيقاف هذا النزيف المستمر، لكن واقع الأمر أن البرلمان التونسي انشغل طوال سنة ونصف في معارك هامشية سطحية حول التموقع السياسي والتجاذبات الحزبية دون النظر إلى المنحدر الذي انزلقت إليه تونس.
البنك المركزي أوصى باعتماد آليات لسد العجز الحاصل من ضمنها التخفيض إلى الحدّ الأقصى من أبواب الإنفاق العمومي حتى لا يتجاوز الدين العمومي الحد الأقصى الذي تصبح معه البلاد عاجزة عن الإيفاء بتعهداتها أو تضطر إلى سياسات لا شعبية – كالتقليص من أجور الموظفين أو من جرايات المتقاعدين أو المطالبة بإعادة جدولة الديون وما يعنيه ذلك من تفريط كلي وشامل في السيادة الاقتصادية والمالية للبلاد .
رغم ذلك اختارت وزارة المالية ومن بعدها رئاسة الجمهورية والبرلمان المضي قدما في سياسة المواجهة دون طائل مع البنك المركزي بإحراجه أمام الرأي العام وتقديمه في صورة المعرقل لمساعي الدولة لتجاوز الأزمة في هذا الظرف الحساس.
غياب الصرامة والجدية في التعامل مع الأزمة الحالية واستسهال التداين الداخلي لن يخلّف سوى الدمار الاقتصادي والسياسي للبلاد بينما يكمن الحل في اتخاذ قرارات موجعة ظرفيا وكبح جماح النفقات العمومية غير الضرورية وترشيد موارد الدولة نحو خلق الثروة والتنمية مستقبلا.
ريم بالخذيري

Comments are closed.