قدم كبير موظفي البيت الأبيض، مارك ميدوز، اعترافاً معبراً، يوم الأحد الماضي، عبر برنامج «حالة الاتحاد»، «لن نسيطر على الوباء»، مشيراً إلى أن انتشار فيروس «كورونا»، كان أمراً واقعاً، وأن الاحتواء لم يكن بنداً رئيساً، في استراتيجية البيت الأبيض. ويوم الجمعة، سجلت الولايات المتحدة أعلى مستوى قياسي، في يوم واحد، بأكثر من 83 ألف حالة جديدة. وفي اليوم التالي، كانت 39 حالة فقط أقل من الرقم السابق.
ويعد هذا جزئياً انعكاساً لنظام اختبار موسع، أكثر بكثير مما كان عليه عندما تعرضت أميركا لأول مرة لتفشي الفيروس، في مارس وأبريل من هذا العام. لكنه أيضاً دليل على زيادة خريفية في الفيروس، الذي يصيب جانبي المحيط الأطلسي. وحالات الاستشفاء والوفيات آخذة في الارتفاع. وفي أوروبا، سجلت بلدان القارة أرقاماً جديدة في عدد الإصابات، خلال عطلة نهاية الأسبوع، وسط جولات جديدة من حظر التجول والإغلاق. ويتصدر عدد من البلدان، في القارة، العالم الآن في معدلات الإصابة. وقال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي تعد دولته من بين الأشد تضرراً، يوم الجمعة الماضي، إن مواطنيه يجب أن يكونوا مستعدين للتعايش مع الفيروس «حتى الصيف المقبل، في أحسن الأحوال». وأصر ميدوز على أن السلطات الأميركية «ستضمن حصولنا على اللقاحات، والعلاجات، ووسائل العلاج الأخرى». ولكن حتى تتوافر طرق العلاج هذه، ويتم توفيرها على نطاق واسع، يدافع الخبراء عن إجراءات ارتداء الأقنعة وأنظمة التتبع، ونظام اختبار صارم، وهي أمور فضل الرئيس دونالد ترامب عدم تشجيعها. ووجهت انتقادات لإدارة ترامب، التي فشلت في فرض خطة حقيقية للحد من الإصابات. ويبدو أن تفشي الفيروس الجديد بين موظفي البيت الأبيض، بما في ذلك كبير موظفي مكتب نائب الرئيس، مارك شورت، يؤكد عجز الإدارة وإهمالها في مواجهة الوباء.
وقال حاكم نيويورك، أندرو كومو، في اتصال هاتفي، يوم الأحد الماضي، مع الصحافيين: «لقد استسلموا، دون إطلاق رصاصة واحدة». متابعاً: «لقد كان الاستسلام الأميركي العظيم».
موجة ثانية
في غضون ذلك، يستعد القادة الأوروبيون لكارثة، أيضاً. وبعد صيف من استعادة النشاط وإحياء السفر والسياحة، عصفت موجة ثانية بالدول التي عانت الموجة الأولى، وأيضاً تلك التي تفادتها. وأعلنت فرنسا عن رقم قياسي يومي في عدد الحالات. وتضاعفت الحالات في بولندا، في أقل من ثلاثة أسابيع (ورئيس البلاد مصاب الآن بالفيروس). وفي جمهورية التشيك، أصيب أكثر من 250 ألف شخص، في بلد يبلغ عدد سكانه 10.7 ملايين نسمة.
من جانبها، أعلنت إسبانيا حالة الطوارئ، إذ أصبحت أول دولة أوروبية تتجاوز أكثر من مليون حالة إصابة بفيروس «كورونا»، على الرغم من أن المسؤولين يشكون في أن الرقم الحقيقي قد يكون أعلى بثلاثة أضعاف. وفُرض حظر تجول ليلي، الآن، بين الساعة 11 مساءً و6 صباحاً، في جميع مناطق البلاد، باستثناء جزر الكناري. وقال رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز: «نعيش وضعاً صعباً للغاية». متابعاً: «إنها أخطر أزمة في نصف قرن مضى»، وحث الإسبان على البقاء في منازلهم.
وفي بلجيكا، أصبحت المستشفيات والبنية التحتية للاختبارات، في البلاد، مثقلة بالفعل، إذ تخشى السلطات نقص العاملين الأساسيين، من الطاقم الطبي إلى ضباط الشرطة، في الشوارع. وقال طبيب العناية المركزة في مستشفى «مونتليغيا»، في لييغ، المدينة البلجيكية الأكثر تضرراً، فيليب ديفوس: «الوضع كارثي». متابعاً: «ربما تكون لييغ، الآن، أكثر المناطق تضرراً في العالم، ولدينا الكثير من الأطباء والممرضات المتضررين؛ لكن بدءاً من هذا الأسبوع، طُلب من الحالات الإيجابية العودة إلى العمل، إذا كانت دون أعراض».
تضحية جماعية
وفي جميع أنحاء القارة، أطلق كبار المسؤولين الإنذارات نفسها، التي سمعت قبل نصف عام، عندما تحدث السياسيون بشكل حزين عن التضحية الجماعية واليقظة المطلوبة من جماهيرهم. وقال وزير الصحة الإيطالي، روبرتو سبيرانزا، «هذه أيام صعبة»، إذ فرضت إيطاليا أقسى قيودها منذ الربيع، «منحنى العدوى آخذ في الازدياد بالعالم، وفي كل أوروبا، الموجة قوية جداً». وأوضح المسؤول الإيطالي: «يجب أن نستجيب على الفور، وبعزم، إذا أردنا تجنب الأرقام الكبيرة».
وكانت الحكومات في أوروبا، التي يقود العديد منها دولاً تعاني حالة ركود عميقة، حذرة من المزيد من الإغلاق، الذي من شأنه أن يضر بالصناعة، ويزيد قوائم البطالة. لكن مثل هذه الإجراءات الملزمة تبدو الآن ضرورية، في حين أن المحادثات حول «ممرات» التجارة والسفر الآمنة المحتملة بين بعض المدن الرئيسة والمناطق، تبدو سابقة لأوانها. وكتبت الصحافية روبي ميلين، تقول: «تشير القواعد الوطنية الشاملة، في العديد من البلدان، إلى اعتقاد متزايد أن الجهود الأولية، التي يبذلها القادة الأوروبيون، لتجنب إعادة فرض إغلاق شامل لصالح قيود إقليمية تركز على النقاط الساخنة للفيروسات؛ قد لا تكون كافية». ويشير الخبراء إلى جهود التخفيف الناجحة في آسيا، حيث نجحت دول، مثل: كوريا الجنوبية، وفيتنام، في تجنب موجة ثانية، بشكل أكثر فاعلية من نظيرتها في الغرب.
من جهتها، قالت رئيسة قسم الصحة العامة بجامعة إدنبره، ديفي سريدهار: «انتظار اختفاء الفيروس بطريقة سحرية، والسماح له بمتابعة مساره عبر المجتمع، أو فرض إجراءات إغلاق مستمرة دون استراتيجية واضحة تتجاوز مواعيد اللقاح، كلها خيارات ستضر بصحتنا واقتصادنا ومجتمعنا». متسائلةً: «في أي مرحلة ستتطلع بريطانيا نحو شرق آسيا والمحيط الهادئ، وتقول نريد أن نفعل ما فعلوا؟».
ربما يكون هناك الكثير من المسؤولين، وخبراء الصحة العامة، في الولايات المتحدة، يتحسرون على الشيء نفسه.. بالضبط.