يَرصُد الكاتبُ والصحفيُّ الأمريكيُّ إيفان أوسنوس أسبابَ تفوق المُرشح الديمقراطي جو بايدن على منافسه الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب؛ حيث يلخص هذه الأسباب في أنَّ بايدن “أكثر الساسة الأمريكيين حظًا”، وذلك في كتابه الصادر حديثا “جو بايدن.. الحالم الأمريكي”.
والكتاب فحص موجز ورائع وحذق لبايدن، في ظل سعيه الدؤوب للوصول إلى سدة الرئاسة الأمريكية. ويبرر أوسنوس وصفه لبايدن بأنه “محظوظ”، بأنه عاش حياة سياسية لمدة خمسين عامًا وصل في نهايتها إلى البيت الأبيض عندما كان نائبًا للرئيس السابق باراك أوباما، ورغم ذلك يرى المؤلف أنَّ هذه الفترة شهدت خسائر شخصية كبيرة تكبدها بايدن. ومع ذلك، حتى مع تأثر حياة بايدن بدراما الأحداث، إلا أنها كانت مدعومة برغبة نادرة في تولي مناصب سياسية عُليا تغطي على عيوبه وأخطائه وانعكاسات ثروته.
ويمزج إيفان أوسنوس بين الأسلوب الصحفي والسياق الأوسع، ويضيء حياة بايدن ويسلط الضوء على عدد من الشخصيات المحيطة ببايدن ويفسر ما تعنيه انتخابات رئاسية استثنائية. واعتمد المؤلف في كتابه على مُقابلات مطولة مع بايدن نفسه، إلى جانب محادثات مع أكثر من مائة مختص وخبير، بما في ذلك الرئيس باراك أوباما وكوري بوكر وإيمي كلوبوشار وبيت بوتيجيج، ومجموعة من النشطاء التقدميين والمستشارين والمعارضين وأفراد عائلة بايدن.
وفي حالة انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة في الثالث من نوفمبر المُقبل، لن يكون ذلك بسبب خطابه القوي، ولن يكون ذلك بسبب نشاطه المفعم بالحيوية، لكن شخصية بايدن نفسها ستكون هي السبب الأكثر ترجيحا، بحسب مؤلف الكتاب. ويقول أوسنوس إن أحد الأدلة حول كيفية فوزه بترشيح الحزب له دليل على ذلك؛ حيث استخف خصوم بايدن به، حتى عندما أحرز تقدماً في استطلاعات الرأي- التي كانت دائمًا تقريبية- قلل معظم معارضيه من فرص فوزه على مستوى الحزب. ولم يقتصر الأمر على أن بايدن لم يكن يجري جولات انتخابية كثيرة، بل بدا أيضًا أنه غير منسجم مع القاعدة اليسارية المتنامية القوة داخل حزبه. فبالنسبة لهم، مثّل بايدن وجهاً لكل ما هو خطأ مع الديمقراطيين.
وعلاوة على ذلك، كانت حملته التي تعاني من ضائقة مالية تنفق أقل في شهر واحد مما ينفقه منافسه مايكل بلومبيرج الملياردير والرئيس السابق لبلدية نيويورك، في المتوسط اليومي. وبعد أن خسر بايدن أول تصويتين- حيث جاء في المركز الرابع في ولاية أيوا والخامس في نيو هامبشاير- بدأت عبارات “النعي السياسي”، وتوقع الجميع فوز شخص آخر بترشيح الحزب الديمقراطي.
أعقب ذلك حدوث نقطة التحول، عندما حقق بايدن فوزاً ساحقاً في ولاية ساوذ كارولاينا، وسرعان ما انسحب جميع منافسيه تقريبًا وأيدوه. وبعد أن حول بايدن وجهته نحو التيار اليميني في الانتخابات التمهيدية، توجه بعد ذلك يسارا في الانتخابات العامة. ورغم أن هذه صورة معكوسة لما يفترض أن يفعله المرشح، إلا أنَّ بايدن فعلها ونجح!
ويعتقد أوسنوس، الذي كان يكتب عن بايدن منذ سنوات في مجلة نيويوركر، أن بايدن قد يكون أكثر راديكالية عندما يتولى المنصب، على عكس ما قد يعتقده الأشخاص الذين تتبعوا حياته المهنية. فنادرًا ما كان يُنظر إلى بايدن على أنَّه ليبرالي خلال 36 عامًا في مجلس الشيوخ. ويرى أوسنوس أن هناك حالتين مختلفتين ساعدتا على ترشيح بايدن؛ أولاً أنه هزم اليسار، بسبب تشتت اليساريين بين عدة مرشحين، أبرزهم بيرني ساندرز وإليزابيث وارين. وكانت مهمته الأولى كسب ثقة اليسار، وقد نجح. وثانياً، تزامن انتصاره مع وباء كورونا، حيث فتح فيروس كورونا مساحة سياسية جديدة واسعة للعمل.
ويقارن أوسنوس ظروف صعود بايدن مع ما حدث للرئيس فرانكلين روزفلت، الذي ورث تداعيات “الكساد الكبير”. ويسجل التاريخ فرانكلين روزفلت على أنه الرجل الذي أنقذ أمريكا ثم العالم من الفاشية. رغم أنَّ أحدا لم يره بهذه الطريقة في عام 1932، كما إن بايدن، مثل روزفلت، فهم فن الممكن.
وما قد يكون ممكناً في أمريكا بعد وفاة 220 ألفاً من فيروس كورونا، يختلف كثيراً عمَّا كان عليه قبل عام، فقد تغير بايدن مع الظروف، على الأقل أدرك متى يتحدث ومتى يغلق فمه. ولجأ بايدن إلى الاستفادة من الاستراتيجية السائدة والتي تتمثل في أن هذه الانتخابات عبارة عن استفتاء على دونالد ترامب، ولذلك يقول بايدن لأوسنوس في الكتاب: “كلما تحدث ترامب، كنت أفضل حالًا”. ويُؤكد الكاتب هنا أنَّ بايدن ربما تعلم أخيرًا قيمة الصمت!
رجمة – رنا عبدالحكيم