من بينها هذا الجدول الصادم يفكك اللّغز الذي دفع البلاد نحو الإفلاس
المنوال الاقتصادي تخلى عن القطاعات المنتجة واتجه نحو التوريد والمناولة مما أدى إلى عجز هيكلي للمبادلات التجارية وانهيار قيمة الدينار وارتفاع المديونية والبطالة والفقر
يتبين من هذا الجدول:
– أن الدولة التونسية استوردت سنة 2019 ما قيمته 42,4 مليار دينار مقابل تصدير بقيمة 11,2 مليار دينار فقط. مما أدى إلى عجز تجاري خطير بقيمة 31,2 مليار دينار مطلوب وجوبا تغطيته بالعملة الأجنبية بما أنها بضاعة مستوردة من الخارج.
– مع العلم أن ميزان الخدمات الذي يشمل اساسا قطاع السياحة والنقل وتحويلات مواطنينا بالخارج وتحويلات الخدمات الصناعية التي تقوم بها الشركات غير المقيمة والمصدرة كليا في إطار المناولة بعد طرح تحويلات قيمة الخدمات التي تقوم بها المؤسسات الخارجية للبلاد التونسية وطرح المنح التي تتحصل عليها الشركات غير المقيمة من خزينة الدولة لا يمكنه من تغطية إلا جزءا قليلا جدا من العجز التجاري.
– أن الاقتصاد التونسي في مبادلاته التجارية مع الخارج لا يعتمد طيلة عدة عقود إلا على قطاع واحد يمكّنه من فائض تجاري سنوي محدود القيمة رغم أهميتها وهو قطاع “المناجم والفسفاط ومشتقّاته” والذي تعمل السلطة على تضخيم دوره لتبرير عقم وفشل المنوال التنموي.
– .بينما جميع القطاعات الأخرى تعاني من عجز كبير وفي ارتفاع مستمر وخطير خاصة بعد الثورة نتيجة التوريد المكثف والفوضوي الذي أفضت إليه حالة التسيّب غير مسؤول من جميع الحكومات التي تداولت على السلطة.
– في هذا الباب وكلمة حق تقال لابد بالتنويه بما قامت به حكومة محمد الغنوشي التي رغم الضغوط التي كانت مسلطة عليها من طرف المقربين للنظام السابق للدفع نحو المزيد من التوريد فقد حاولت تطويق العجز التجاري في حدود ممكن السيطرة عليها. لكن رغم ذلك هيكلية العجز التجاري عطلت المسيرة التنموية في البلاد منذ بداية التسعينات مما أدى ارتفاع البطالة واحتداد الوضع الاجتماعي.
– هذا العجز أدى مباشرة إلى انهيار قيمة الدينار والذي بدوره اصبح يُعمّق العجز التجاري والمديونية والتضخم المستورد وانهيار القدرة الشرائية وانهيار الاستثمار الداخلي. مما يعني أن الاقتصاد الوطني دخل في دوامة مُدمّرة وجب وضع حاد لها بقرارات سياسية سيادية لا جدال فيها.
– أن كل القطاعات الصناعية تم تدميرها شبه كليا كما يتبين بوضوح من ارتفاع العجز التجاري في قطاع النسيج والملابس من 0,171 مليار دينار سنة 1998 إلى 0,333 مليار دينار ستة 2010 ثم إلى 1,040 مليار دينار سنة 2019 تحت وطأة التوريد عبر انتشار العلامات الخارجية (الأوروبية والتركية أساسا) هذا طبعا مع الاخذ بعين الاعتبار دور انهيار الدينار في تزايد هذا العجز.
– هذا الجدول يبين بوضوح الأسباب الأساسية لارتفاع نسبة البطالة خاصة وانتشار ظاهرة الهجرة السرية والهجرة المنظمة لأصحاب الشهادات العليا.
– هذا الوضع الذي أدى إلى تعطيل المسيرة التنموية منذ أواسط الثمانينات وإفلاس الدولة حاليا كان ومازال في علاقة مباشرة لتداعيات اتفاقيات الشراكة غير المتكافئة التي وُقّعت مع الاتحاد الأوروبي خاصة منها اتفاقية سنة 1995 التي لم تمنح الطرف التونسي أي ميزة تفاضلية كما كان الامر في اتفاقية سنة 1969.
ندعووكم للتمعن في هذا الجدول للاطلاع على عمق الاوزمة الهيكلية التي تعاني منها البلاد والتي بدات تتبين بوضوح نتائجها اثر الجدل الذي طغى على الساحة الاسياسية والإعلامية بين الحكومة ومحافظ البنك المركزي.
مع تحياتنا
جمال العويديدي – جنات بن عبد الله – أحمد بن مصطفى – عبد الجليل البدوي – محمد شوقي عبيد –