بعد تدميرها للاقتصاد التونسي .. الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية تعيد قبضتها

امضاء: جنات بن عبد الله – جمال الدين العويديدي – أحمد بن مصطفى – محمد شوقي عبيد

مرة أخرى تلتف المؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوروبي على صحوة واستفاقة الشعب التونسي لتحويل رفضه لخيارات الحكومة التي ترجمها مشروعا قانون المالية التعديلي لسنة 2020 وقانون المالية لسنة 2021 في اتجاه تثبيت الفشل ومزيد انهيار المؤشرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية في إطار ما سمته ب”الحوار والتباحث” بين عدد من الخبراء الماليين والاقتصاديين والمؤسسات الوطنية.

فمباشرة بعد الثورة سارعت فرنسا الى عقد قمة مجموعة السبعة بدوفيل بفرنسا في ماي 2011 لاحتواء ما سمي بثورات الربيع العربي الذي تعهدت فيه بلادنا بضمان استمرارية الدولة من خلال الحفاظ على منوال التنمية وعدم مراجعة اتفاقيات الشراكة مقابل تعهد مجموعة السبعة بالعمل على مساعدة تونس على استرجاع الأموال المهربة وتقديم قروض قُدّرت في حدود 25 مليار دولار يتم صرفها بالتناصف بين تونس ومصر على مدى ثلاث سنوات 2011-2013… فضلا على ما اعتادت على تأكيده من “وقوف” الى جانب الانتقال الديمقراطي مما يعني في الحقيقة ضمان مصالح الجهات الخارجية ولوبياتها في تونس. غير أنها لم تف بعهودها واقتصرت على تكليف المؤسسات المالية الدولية حيث سارعت كريستين لاغارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي إلى تكثيف زياراتها إلى تونس سعيا للحصول على تفويض من الحكومة التونسية تتعهد بمقتضاه هذه الأخيرة بتنفيذ ما سمي “ببرنامج الاصلاحات الهيكلية ” الذي كرس سياسة الفشل وتدمير مقومات السيادة الوطنية بما فيها السيادة النقدية.

هذه الإصلاحات التي انطلقت منذ سنة 2013 والتي ترجمتها رسالة النوايا التي تم توقيعها من طرف إلياس الفخفاخ وزير المالية آنذاك والشاذلي العياري محافظ البنك المركزي. كما تجدد التفويض في سنة 2015 في إطار ما سمي المخطط الخماسي للتنمية للفترة 2016 – 2020. هذا المخطط الذي أفضى إلى وضع اقتصادي ومالي واجتماعي كارثي تجلت حقيقته بكل وضوح مع جائحة كورونا من خلال تراجع وانهيار جميع المؤشرات الاقتصادية والمالية التي اختزلتها حالة الانكماش الاقتصادي وتفاقم عجز الميزان التجاري وارتفاع عجز ميزانية الدولة واللجوء غير المسبوق للاقتراض الخارجي.

أمام هذا الوضع المتأزم والخطير لاختلال التوازنات المالية الداخلية المرتبطة بعجز ميزانية الدولة والتوازنات المالية الخارجية المرتبطة بعجز الميزان التجاري سارعت اليوم الجهات الخارجية بتنسيق مع الحكومة وعدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين الموالين لتوجهاتها على إعادة انتاجه في إطار توجه جديد يستند الى نفس الحيل والمراوغات التي اعتاد عليها الشعب التونسي ويرمي على:

– مراجعة النظام السياسي من خلال مراجعة الدستور والقانون الانتخابي في اتجاه القطع مع الية التوافق التي تم التأسيس لها في اجتماع باريس بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي،

– تزويق وتجميل الإصلاحات الهيكلية ذات العلاقة بالمؤسسات العمومية في اتجاه التفريط فيها،

– مزيد تحرير الاقتصاد وتخلي الدولة عن دورها الاقتصادي وفتح المجال أمام الشركات العالمية ورأس المال العالمي للاستحواذ على قطاعات الإنتاج،

– مواصلة استهداف قطاعات التربية والتعليم والثقافة كمدخل للتركيع والتطبيع.

اطار هذا التوجه سيكون المخطط الخماسي للتنمية الثاني بعد الثورة للفترة 2021 – 2025 وذلك تحت اشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لاعادة الاعمار والتنمية، ويبدو أن أول لقاء بين، ما يسميهم وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار علي الكعلي، بشركاء تونس الخارجيين كان في أواخر شهر أكتوبر 2020 وذلك مع حكيم بن حمودة (وزير المالية في حكومة مهدي جمعة) وزياد العذاري (وزير الصناعة والتنمية الأسبق) وراضي المدب (خبير اقتصادي) وعزالدين سعيدان (خبير اقتصادي) وفاطمة المراكشي (جامعية) وزكريا بلخوجة (مستشار لدى رئيس الحكومة المشيشي حاليا وعمل لدى الوكالة الفرنسية للتنمية) وميخائيل عياري (محلل عن المجموعة الدولية كرايسيز).

في ذات االسياق نظمت لجنة المالية والتخطيط والتنمية يوم الاثنين 9 نوفمبر 2020 ندوة للتباحث حول ما أسمته بالحلول الممكنة لتجاوز الصعوبات المالية التي يطرحها مشروع ميزانية الدولة لسنة 2021 بمشاركة عدد من الشخصيات وهم الحبيب الكراولي من جهة، وفاضل عبد الكافي ورضا شلغوم وحكيم بن حمودة وحسين الديماسي وتوفيق بكار وعبد الحميد التريكي كوزراء سابقين من جهة ثانية.

ولئن يستند اختيار البنك الدولي وبلدان الاتحاد الأوروبي للشخصيات التي ستتولى التسويق لمنوال تنمية وأفكار سياسية تخدم أجنداتها في تونس والمنطقة، فإننا نتساءل عن المعايير التي استندت اليها لجنة التخطيط والمالية والتنمية بمجلس نواب الشعب لتأثيث ندوتها في لحظة تاريخية مفصلية اختلطت فيها المفاهيم وضاعت فيها بوصلة السيادة الوطنية ليتم تمرير مشروع ميزانية الدولة لسنة 2021 كتمهيد للمخطط الخماسي للتنمية 2021 – 2025 وتسقط البلاد مرة أخرى في قبضة المؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوروبي بإخراج جديد وبسيناريو أكثر بشاعة بمصادقة من السلطة التشريعية كما كان الشأن مع جميع مشاريع القوانين التي تم تمريرها منذ الثورة الى اليوم على غرار قانون استقلالية البنك المركزي الذي تحول الى الية لتدمير النمو ومحركاته ومسار لوضع ميزانية الدولة رهينة لدى البنوك الخاصة المحلية والتي تسيطر البنوك الفرنسية على عدد هام منها.

Comments are closed.