نشرت مجلة “دير شبيجل” الألمانية تقريرًا مُتشائما يعجُّ بالتوقعات السلبية عن المستقبل؛ في ظل تفشي وباء فيروس كورونا “كوفيد 19″؛ حيث يرى التقرير أنَّ الوباء يخبئ للعالم العديد من التحديات، ليس فقط فيما يتعلق بجوانب مكافحة هذا المرض أو التوترات الاقتصادية الناجمة عنه، لكن أيضا -وهو الأشد خطورة- ما قد يتسبب فيه من أوبئة، أو بمعنى آخر، ما قد ينشأ من أوبئة نتيجة لما يتعرض له القطاع الصحي العالمي من ضغوط غير مسبوقة.
وقالَ التقريرُ الألمانيُّ -المنشور في نسخة المجلة باللغة الإنجليزية- إنَّ فيروس كورونا -الذي لا يتجاوز حجمه 100 مليون من المليمتر- لا يزال يتفشى في مناطق مختلف حول العالم بلا هوادة. وفي الوقت الحالي هناك أكثر من 300 ألف إصابة جديدة كل يوم، ومن المرجح أن يستمر هذا المعدل في الارتفاع، لا سيما في نصف الكرة الشمالي؛ حيث تنخفض درجات الحرارة ويقضي الأشخاص وقتًا إضافيًا داخل الغرف المغلقة.
وفي فصليْ الخريف والشتاء، يتوقع خبراء الصحة العامة زيادة هائلة في حالات الإصابة بفيروس “كوفيد 19” في أوروبا على وجه الخصوص، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فخلال الأسبوع الماضي، ووفق إحصاءات جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، فقد تعدت الوفيات المليون بسبب كوفيد-19، وتضاعف عدد الوفيات الموثقة في غضون ثلاثة أشهر فقط. ويعتمد الإحصائيون الطبيون في معهد المقاييس الصحية والتقييم (IHME) في جامعة واشنطن على أننا “رسميًا” سوف نتجاوز مليوني حالة وفاة بسبب الفيروس بحلول منتصف ديسمبر المقبل.
مستوى منخفض
ومقارنة بما شهده تاريخ الأمراض المعدية، فإنَّ العام 2020 يمثل مستوى منخفضًا من حيث خطورة المرض، مقارنة بالظروف الوبائية فيما قبل، ويبدو أن الافتقار إلى إدارة رشيدة للكون المتغير باستمرار للكائنات الدقيقة والفيروسات والفطريات، قد بدأ في التشكل. فقد كان الخبراء يحذرون دوما من احتمال حدوث ذلك منذ سنوات، آخره التقرير المثير للقلق الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية في سبتمبر 2019، لكن قادة العالم تجاهلوا كل التحذيرات المتعلقة بخطورة الأمراض المعدية، بينما باتت أرقام الإصابات بهذه الأمراض متزايدة على نحو مروع. ومن المتوقع أن يتسبب كوفيد 19 في وفاة عدد إضافي من الأفراد هذا العام، أكثر من بعض الأمراض المعدية الأخرى. وإذا كان الإحصائيون مُحقِّين في توقعاتهم للعام بأكمله، فإن “كوفيد 19” يُودي بحياة أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص الذين يقضي عليهم فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز”، وخمس مرات أكبر من وفيات الملاريا في العام الماضي.
ومن المتوقع أن يلقى 60 مليون شخص حتفهم هذا العام بسبب قصور القلب التاجي ومعظم السرطانات والحوادث والفيروسات والكائنات الدقيقة، بينما سيكون فيروس كورونا الجاني في حالة واحدة من بين 25 حالة وفاة.
وهذه هي البداية فقط.. سينتهي الوباء بمجرد أن يصبح الفيروس غير قادر على العثور على أجساد جديدة للتفشي من خلالها، وفي الوقت الحالي، هُناك أكثر من 7 مليارات إنسان لم يتلقوا تطعيما ولم ينجوا من العدوى لتطوير مناعتهم.
ومن المرجَّح بلا شك أن تتوافر لقاحات ذات فعالية، كما يمكن الحصول على الأدوية لعلاج هذا المرض مع مرور الوقت، لكن رغم إمكانية القضاء على الفيروس، عاجلاً أم آجلاً، إلا أن للفيروس مخزونًا كبيرًا بين البشر والحيوانات، مما يجعل التخلص منه نهائيا أمرًا مستحيلًا. وتمامًا مثل فيروسات الأنفلونزا والبرد، من المحتمل أن يتواجد كل عام بقوة، ولذا يتعين على البشرية استكشاف طرق للتعايش معه، والموت معه!
ورغم العدد الكبير للضحايا، إلا أنَّ الكثير لا يدركون مدى خطورة وقوة هذا الوباء، لأسباب عدة؛ أولها أنَّ الانطباعات التي يتبناها البعض ربما تكون مضللة. ويضرب التقرير مثالا بما حققته ألمانيا من نجاح متذبذب حتى الآن؛ حيث بلغ عدد الوفيات حوالي 9500 شخص، وهو نجاح نسبي مقارنة بدول أخرى في أوروبا أو مقارنة بالولايات المتحدة.
ونظرًا لكيفية تفشي الفيروس، فلن يختفي من تلقاء نفسه، خاصة وأنَّ معظم التوصيات الدولية تدعو إلى خيار واحد فقط، وهو مكافحة الوباء بإجراءات صارمة، ومن ثم التخفيف قدر المستطاع، بما يمكن النظام المالي ونفسية الناس من التعافي. ومن المتوقع أن يستعيد الفيروس طاقته بعد مرور بعض الوقت، لكن في أفضل الأحوال، ستكتشف السلطات حول العالم طرقًا لعدم فرض قيود شاملة تدوم لعدة أشهر في كل مرة يتفشى فيها الوباء مجددًا.
أوبئة المستقبل
ويتنبأ التقرير بأنْ يُعاود فيروس شلل الأطفال التفشي، بعدما وصل إلى شفا الانقراض بعد جهود تكلفت مليارات الدولارات، وهذا الظهور الجديد سيكون بسبب فيروس كوفيد 19؛ إذ تتعامل أفقر الدول حول العالم، مثل أفغانستان واليمن وجنوب السودان وهايتي، مع المجاعات التي تفاقمت بسبب فيروس كورونا، مما يهدد الجهود المتواصلة لمكافحة شلل الأطفال.
حتى الدول الغنية لم تسلم من الأعراض الجانبية الناجمة عن فيروس كورونا، فقد تأجل الكثير من العمليات الجراحية بسبب الوباء، كما تزايدت قضايا العنف المنزلي، وإدمان الكحول، وانتشار مشاعر اليأس والقلق.
ويختتم تقرير المجلة بالتعبير عن الأمل بأنْ يستعد العالم لما قد يأتي مستقبلا، وأن ينصت القادة لأصوات الخبراء والعلماء التي كانت تحذرنا لسنوات من مخاطر الأمراض المعدية، وهو ما يفرض علينا معرفة كيفية التعامل مع الأوبئة المستقبلية ومسببات الأمراض المستجدة.