شهاب الرويسي :خطورة الانسياق وراء نظرية حل المكتب الجامعي لما له من تداعيات خطيرة على المنتخبات والأندية

على إمتداد أربعة عقود قضيتها بصفة غير مسترسلة في الاعلام الرياضي أتيحت لي فرصا عديدة للتعامل مع الوزراء المشرفين على القطاع والذين تركوا عندي إنطباعات متناقضة تتراوح بين الاحترام الشديد والازدراء.. وفيما تعاقبت على الوزارة أسماء سجلت حضورها سواء بالسلب أو الايجاب مر البعض مرور الكرام حتى أن المختصين -قبل الجماهير العريضة- يتذكرون بالكاد أن فلانا أو فلتانا شغل في فترة ما حقيبة الشباب والرياضة بمختلف مسمياتها لأن المرء حديث بعده وهؤلاء ما تركوا وراءهم سوى الفراغ فكان نصيبهم غياهب النسيان..
وأنا أسترجع شريط الذكريات يقف أمامي محمد كريم صاحب التعريف الغريب لمفهوم الديمقراطية في جلسة مع المكتب الجامعي لكرة اليد : “أنا نقرر وأنتوما تنفذوا واللي ما يعحبوش يقدم إستقالته.. وما نحطوش في الحبس هذه هي الديمقراطية” !!
وأتذكر الهادي بوريشة الذي فتح ملف البرومسبور المحرج للسلطة آنذاك باعتباره الصندوق الأسود لتمويل الاتحاد الوطني للشغل بهدف كسر إحتكار الاتحاد العام التونسي للشغل لكن دكتور الأمراض العقلية قاد البحث بمفرده وقدم تقريرا إلى الرئيس بورقيبة مفاده أن سلفه في الوزارة وزميله في الحكومة (حقيبة النقل) هو “سارق ويتستر على سراق”.. وكان الجزاء إعفاءه من مهامه في الابان !!
وكانت فترة الرئيس بن علي عندما تداول على سلطة الاشراف وزير يفهم في السياسة ولا يفهم في الرياضة (عبد الرحيم الزواري) ووزير يفهم في الرياضة ولا يفهم في السياسة (محمد رؤوف النجار) ووزير لا يفهم في هذا ولا في ذاك (عبد الله الكعبي).. وعموما كان القرار في تلك الفترة يطبخ بعيدا عن مقر شارع الهادي شاكر قبل الانتقال إلى الحي الأولمبي نتيجة النفوذ الفعلي لصهر الرئيس وللوزير المستشار في الحكومة الموازية بقصر قرطاج.
ثم كانت فترة الثورة التي شهدت تراجعا فضيعا في مستوى المشرفين على القطاع الرياضي بمراعاة إنتماءاتهم قبل كفاءاتهم إلى أن قذفت الأمواج بالوزير الحالي ضمن حكومة التكنوكراط فاستبشرنا خيرا رغم إحترازات متعلقة بمسيرته المقتضبة في جامعات بعيدة عن الأضواء وإكتفائه بالصف الثاني وراء من يعتبر نفسه “رئيس رؤساء” الجامعات الرياضية.
وقد تأكد هذا الانطباع عندما سارع الوزير بالتنازل طواعية لفائدة رئيسه السابق عن النفوذ الذي يمارسه على الجامعات بامضاء إتفاقية مثيرة للجدل تم بمقتضاها تسليم المنحة المخصصة للاعداد الأولمبي وقيمتها 5,7 مليون دينار إلى اللجنة الوطنية الأولمبية !
وفي الأثناء يقترح العقل المدبر على الوزير مساندة المرشح المزعوم لرئاسة الاتحاد الافريقي لكرة القدم وقبوله بعيدا عن الأنظار في المكتب الذي تذكر أنه تحت تصرفه أيضا بوزارة التشغيل.. وأفرز اللقاء عن إصدار البلاغ الفضيحة الذي سارع الدقيش بسحبه بعد تنبيه أول صادر عن القصبة. ولم يكن ذلك البلاغ الوحيد الخاطئ إذ تلاه بلاغ ثان إثر لقاء الوزير بممثلين عن جمعيات رياضية إذ نص بلاغ الوزارة عن “التدحل لايجاد حل توافقي لفائدة هلال الشابة” (هكذا) سرعان ما تم تكذيبه في البلاغ المشترك للأندية والذي حذر من “خطورة الانسياق وراء نظرية حل المكتب الجامعي لما له من تداعيات خطيرة على المنتخبات والأندية”.
وإعتقد بعض المتفائلين أن يتدارك الوزير الأمر في إجتماع من مجال إختصاصه يتعلق بقانون الهياكل الرياضية لكن تواصلت الأخطاء من خلال تشريك ثلة من مساعديه من غير أهل الاختصاص بالإضافة إلى محامي وأستاذ مساعد ينتميان إلى نفس الجمعية ! والثابت أن الوزير لا يعلم أن صياغة ذات القانون تمت خلال إجتماعات أسبوعية طيلة موسم كامل ضمن لجنة الشؤون القانونية بالمندوبية العامة للرياضة في فترة عبد الحميد سلامة وبمساهمة قضاة وأساتذة أجلاء من أهل الاختصاص الذين سبق لهم تحمل مسؤوليات رياضية على غرار منصف الفضيلي (كرة القدم) والبشير كدوس (الكرة الطائرة) وسمير العنابي (الشطرنج) وعبد الجليل الدشراوي (السباحة) وضو الشامخ (المصارعة) وأكرم الزريبي (التيكوندو) وغيرهم كثير.. وقد حظيت وزميلي حاتم بن آمنة بشرف حضور هذه الاجتماعات ولمسنا عن كثب جدية العمل وقيمة التدخلات وشتان بين هذا وذاك.
ويتواصل مسلسل الخيبات في تدخل غريب في مجلس نواب الشعب لوح خلاله الوزير بتفعيل فصل من القوانين الداخلية شأنه شأن الدينار التونسي لا يمكن تصريفه خارج حدود البلد وكانت رسالة الفيفا والتنبيه الثاني الصادر عن القصبة والذي أرغمه على قبول رئيس إتحاد كرة القدم ليتلو عليه نص رسالة كان من أول المكذبين بوجودها..
يوم 4 نوفمبر الجاري يكون الوزير قد تسلم مهامه منذ شهرين وهي فترة لا تكون عادة كافية للتعرف على هياكل الوزارة وحوالي خمسين جامعة رياضية منضوية تحت لوائها بالإضافة إلى إشرافه على قطاعين من المفروض أن يشكلا شغله الشاغل ويحظيا بالأولوية المطلقة لاهتماماته وهما الشباب والادماج المهني لكن يبدو أن آذان الوزير لا تصغى إلى مطالب الشباب العاطل من خريجي معاهد الرياضة والمعتصمين غير بعيد عن مكتبه وفي المقابل يتفرغ كليا طيلة أسبوعين إلى موضوع وحيد لم يتناوله بالحياد الذي يفرضه المركز الذي يشغله .
وفي الأثناء تجاوزات بالجملة في المجال الرياضي على غرار جامعة كرة اليد التي قامت بتغيير نظام البطولة تحسبا لأصوات في إنتخابات على الأبواب وإنخراطات وهمية في جامعة المصارعة وملف جامعة الألعاب الألكترونية ومشاكل بالجملة في جامعات الكيغ بوكسينغ والمبارزة بالسيف والرياضات الألكترونية وغيرها لكن.. لا حياة لمن تنادي !!
J’aime

Commenter
Partager

Comments are closed.