قرار الحجر الصحي الشامل .. الأسباب الحقيقية للامتناع ؟؟

 

منذ بداية الازمة الصحية في علاقة بوباء كورونا مع ارتفاع عدد الحالات الإيجابية المسجلة يوميا و عدد الوفايات اثر قرار غير مدروس من النواحي الوقائية في علاقة بفتح الحدود بل و حسب تصريح السيدة نصاف بن علية فإن قرار الحكومة انذاك جاء نتيجة ضغوطات مورست على صاحب القرار السياسي ، ارتفعت الاصوات المنادية بفرض حجر صحي شامل كما أنه في آخر عملية استطلاع آراء قامت بها سيغما كونساي فإن 60 بالمائة من التونسيين مع اجراء فرض الحجر الصحي الشامل توقيا من هذا الوباء الذي ما يزال بصدد حصد الارواح و تعطيل السير العادي للاقتصاد و سير دواليب الإدارة في مختلف القطاعات .
الحكومة و من وجهة نظر وزير الصحة الوزارة المؤتمنة على صحة التونسيين أفاد في تصاريحه الصحفية في الفترة المنقضية أن الحجر الصحي الشامل لم يعد ينفع من الناحية العلمية باعتبار انتقال العدوى إلى مرحلة العدوى المجتمعية ، نفس الموقف جاء على لسان السيد رئيس الحكومة في أول اطلالة إعلامية له بعد وصوله لاعتلاء كرسي القصبة .
رغم الدوافع و المبررات العلمية التي حاولت الحكومة التونسية تقديمها طيلة الفترة الماضية الا أن الكل كان يعرف و متأكد أن دوافع هذا القرار هي اقتصادية بحته و تتعلق اساسا بعجز الدولة المنهكة اقتصاديا بسبب سوء التخطيط و الفساد المستشري و انعدام الحوكمة و غياب رجالات دولة قادرين على بسط مبدأ علوية القانون هي السبب الأساسي لعدم اتخاذ قرار يحمي التونسيين باعتبار أن الحق في الصحة هو حق دستوري على الدولة أن تضمنه وقاية و علاجا الا أن الحكومة اثرت اعتماد سياسة التعايش و التعويل على وعي المواطن الذي ثبت منذ مارس 2020 أنه منعدم مما جعل الدولة انذاك تلتجئ إلى فرض الحجر الصحي الشامل لحماية ارواح مواطنيها و مثلما يقول المثل الشعبي الشرقي أنه ” ما بجرب المجرب الا الي عقلوا مخرب ” و رغم ذلك أعيدت تجربة التعويل على وعي المواطن الفاشلة .
لكن بعد إعتماد دول كبريطانيا و فرنسا مشهود لها بالتقدم العلمي إلى إعادة فرض حجر صحي شامل صار الطرح العلمي الذي قدمته الحكومة كمبرر ساقطا علميا و اخلاقيا مما جعل الخطاب الحكومي في احراج أمام الرأي العام من الناحية العلمية و القانونية و الأخلاقية ، فخرجت البارحة 2 نوفمبر الوزيرة الفة بنعودة لتدلي بالمبرر الحقيقي لعدم فرض الحجر الصحي الشامل و ذلك بقولها أن الامكانيات الاقتصادية و الاجتماعية لتونس لا تسمح بفرض حجر صحي شامل بالمقارنة مع إمكانيات الاقتصاديات الغربية التي التجأت إلى اتخاذ مثل هذا الإجراء .
هذا التصريح لو أردنا ترجمته من الناحية القانونية فإن الحكومة التونسية امتنعت عن انجاد التونسيين نظرا إلى الظروف الاقتصادية و قد رأينا في فرنسا دعوى قضائية رفعت ضد الحكومة الفرنسية على خلفية مسؤوليتها القانونية في تفشي وباء كورونا .
طبعا جزء كبير من الرأي العام يعتبر أن إقرار الحجر الصحي الشامل هو ضرب لمصالحهم الاجتماعية و الاقتصادية و خصوصا منها الفئات الهشة و ذلك بعد الخسائر التي نتجت عن اتخاذ ذلك الإجراء و عن نفسي اعتبر ذلك صحيحا لكن الأمر يستدعي بعض التدقيق .
الحالة الاقتصادية المزرية و التي منعت الدولة من حماية و وقاية مواطنيها في علاقة بوباء كورونا هي ناتجة ليس عن الوباء نفسه و إنما ذلك يعود لكون الدولة تشهد سياسات اقتصادية متذبذبة كما أن الفساد المستشري منع الدولة من مراكمة ثروة وطنية بامكانها ان تكرس احتياطياتها لتوفير العيش الكريم للمواطن اذا تم اتخاذ قرار الحجر الصحي الشامل في علاقة بأزمة كورونا أو اي ازمة اخرى تهدد حياة المواطن التونسي أو قدرته الاقتصادية .
اليوم نحن أمام حقيقة تتمثل في عدم احترام الدستور التونسي و المواثيق الدولية في علاقة بأزمة تمس حقوق المواطن الصحية و الاقتصادية التي من شأنها أن تعصف بكل مكتسبات تونس الاقتصادية و الحقوقية في ظل صمت مدقع من المنظمات الوطنية و الحقوقية و التي نتجت عنها ازمة غلاء أسعار غير مسبوقة في ظل تنامي المضاربين الذين قال عنهم السيد رئيس الجمهورية انهم تجار حرب و اكتفى بالتفرج عليهم و مشاهدتهم يراكمون ثروات طائلة على حساب الشعب التونسي و حقه في حياة كريمة و أن هذه الأزمة تنذر بملامح ازمة عميقة في علاقة بثقة المواطن في المستقبل خصوصا و أن مختلف التيارات السياسية انعزلت عن تطلعات شعبها و غرقت في مشاكلها بما يجعل المواطن ترك لمواجهة مصيره الصعب لوحده و هذا يدعي مختلف مكونات الدولة التونسية و النسيج المدني و السياسي أن ينتبه لهذه الخطورة التي من الممكن أن تعصف بكل شيء و هنا هناك دور أساسي و رئيسي لكل من السلطتين التشريعية و القضائية بالتدخل و تعديل المسار في علاقة بهذه الأزمة التي تلوح في ظاهرها على أنها صحية و اقتصادية الا انها في عمقها هي أزمة عقد اجتماعي بدأ يهتز إن لم ينتبه له المهتمون بالشأن العام فإنه سيؤدي بنا لا قدر الله إلى ما لا يحمد عقباه خصوصا مع تنامي ضعف و هشاشة الاستقرار في المنطقة ككل و في حوض البحر الابيض المتوسط تحديدا و الذي نحن جزء لا يتجزأ منه بل نحن جزء استراتيجي من الناحية الجغرافية و التاريخية و ادعوا كل مكونات المجتمع التونسي إلى فهم عميق هذه الأزمة عدم التمعش و محاولة توظيف مخرجاتها سياسيا لانه لن يكون هناك أي منتصر من استفحال ازمة اعتبرها من اعقد و اصعب الازمات التي تمر بها تونس في التاريخ المعاصر .

وليد الوقيني

Comments are closed.