جاء البيان الختامي للدورة 45 لمجلس شورى حركة النهضة المجتمع يوم 21 نوفمبر 2020 والذي تناول قراءة المكتب التنفيذي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية للمجلس لمشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020 ومشروع قانون المالية لسنة 2021، جاء مطابقا لطرح صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي ومتناغما مع الفكر الليبرالي المسقط على بلد لا يزال في بداية معاركه مع التنمية والتخلف.
وفي تقييم الوضع الاقتصادي في البلاد، والذي لم يختلف عن تقييم الأحزاب الليبرالية في كل البلدان النامية التي تعاني أزمة المديونية الحادة، احترم السادة “الخبراء والمختصون في المجالات الاقتصادية والمالية”، الذين استأنس بهم مجلس الشورى، مبادئ وقواعد ومحاذير الفكر الليبرالي ليفرز التقييم توصيات تصب في وصفة صندوق النقد الدولي وأجندة الاتحاد الأوروبي ومصالح الشركات العالمية ورأس المال العالمي.
هذا البيان كشف عن حالة الضياع الفكري لحركة النهضة خاصة في المجال الاقتصادي لتسقط في تناقضات خطيرة أفقدتها هويتها وأبعدتها عن أهدافها النظرية ذات العلاقة بالهوية والسيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية لتجتر أفكارا حملها “خبراء ومختصون في المجالات الاقتصادية والمالية” بقوا في مرتبة التلميذ النجيب للمدرسة الليبرالية التي تربوا عليها في الجامعات التونسية والأجنبية في قطيعة مع الواقع المعاش ومعاناة الشعب وتطلعاته وخصوصيات التاريخ والجغرافيا، ليتحولوا الى مبشرين بسياسة التقشف والانفتاح وتحرير الاقتصاد والاستثمار ويشرعوا لبيع الدولة الوطنية لرأس المال العالمي على خلفية امتلاكه للتكنولوجيا والعلم والمعرفة وقدرته على اخراج البلاد من أزمة البطالة والفقر والتخلف.
حملة الفكر الاقتصادي التبشيري في حركة النهضة قدموا توصيات في هذا البيان لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار الذي كرسوه وعمقوه منذ سنة 2012 الى اليوم من خلال “إصلاحات هيكلية كبرى” صممتها الشركات العالمية وراس المال العالمي على مقاسها وجندت لها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهياكل الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها البرلمان الأوروبي الذي وضع لتونس دستورا موازيا ترجمه قراره الصادر بتاريخ 14 سبتمبر 2016 المستند الى الفصل 8 من معاهدة الاتحاد الأوروبي الموقعة في 7 فيفري 1992 بماستريخت المستندة في فصلها الأول وفقرتها الثالثة على القيم القانونية لمعاهدة روما لسنة 1957 المكونة للمجموعة الاقتصادية الأوروبية التي تعتبر الدول التابعة لمستعمرات فرنسا القديمة على غرار تونس ملحقة للمجموعة الاقتصادية بمقتضى اتفاقيات شراكة.
وبمقتضى هذه التبعية دخلت تونس منذ سنة 1969، تاريخ أول اتفاقية شراكة مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية، في إصلاحات هيكلية تقوم على تخلي الدولة عن دورها الاقتصادي وعلى رفع كل الحواجز الجمركية والتنظيمية أمام الاستثمار الأجنبي ليستولي على مقومات الدولة الوطنية من مؤسسات عمومية ومصادر التمويل من بنوك عمومية وبنكا مركزيا.
حملة الفكر الاقتصادي التبشيري في حركة النهضة لا يخفى عليهم أن الإصلاحات الهيكلية التي تترجمها القوانين تحمل نمطا مجتمعيا معينا يتضارب في مستويات معينة مع ثقافتنا وخصوصيات المنطقة والشعب التونسي لتتحول هذه القوانين الى دكتاتورية جديدة لانتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لأغلبية الشعب التونسي، والمنصوص عليها في دستورنا لسنة 2014 والتي تتضارب أغلبها مع قرارات البرلمان الأوروبي المنصوص عليها في وثيقة 14 سبتمبر 2016.
السادة “الخبراء والمختصون في المجالات الاقتصادية والمالية” الذين استأنس بهم مجلس الشورى لتشخيص الوضع الاقتصادي اليوم، بما يفترض تبني الحركة لتوجهاتهم وخياراتهم، يتحملون اليوم مسؤولية أزمة تمويل ميزانية الدولة من قبل البنك المركزي حيث كانوا وراء دفاع الحركة عن مشروع قانون استقلالية البنك المركزي في سنة 2016 الذي يقف وراء منع البنك المركزي تمويل ميزانية الدولة بصفة مباشرة، كما يقف وراء انهيار الدينار التونسي، وارتفاع نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي. هذا المشروع لقي رفضا قويا في مجلس نواب الشعب ليتم تمريره بموافقة 72 نائب أغلبهم من الكتلة البرلمانية لحركة النهضة.
هذا المشروع شكل أحد شروط صندوق النقد الدولي لمنح تونس قرضا بقيمة 2.9 مليار دولار دون أن تقف كتلة حركة النهضة عند تبعات هكذا مشروع في اقتصاد هش وميزانية دولة منهكة بسياسة تقشف جائرة سلبت الدولة قدراتها لتحقيق التنمية الشاملة والتنمية الجهوية.
كتلة حركة النهضة في البرلمان تقف وراء تمرير قانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص الذي أصبح محل انتقادات خطيرة في فرنسا وبريطانيا لما تسببت فيه هذه الشراكة من تلاعب من قبل الشركات الخاصة للاستحواذ على أموال دافعي الضرائب لبناء مشاريع عمومية بتكلفة خيالية كانت محل متابعة واتهامات من قبل دائرة المحاسبات الفرنسية.
حركة النهضة، وفي ظل التوافق، مررت القانون عدد 71 لسنة 0162 مؤرخ في 30 ديسمبر 2016 يتعلق بقانون الاستثمار الذي تم بمقتضاه تحرير الاستثمار في جميع المجالات بما في ذلك المجالات ذات العلاقة بالأمن القومي. كما مررت القانون عدد 47 لسنة 2019 مؤرخ في 29 ماي 2019 يتعلق بتحسين مناخ الاستثمار الذي بمقتضاه تم تحرير قطاع الخدمات في اتجاه تقليص دور الدولة في قطاعات