–
معزّ الجودي.. الخبير الاقتصادي المفبرك إعلاميّا.. يهاجم ويسخر من أمّهات كلّ من محمّد البوعزيزي الذي نعته بوصف “Le voyou”، ومرتكب العمليّة الإرهابيّة في نيس بفرنسا.. وغيرهم..
وكأنّ أمّهاتهم كنّ شركاء لهم في ما ارتكبوه..!!
متناسيا أنّه مهما كان الموقف من الشخص أو من المجرم وجريمته (بقطع النظر عن رأيه الهابط في البوعزيزي الذي مرجعه استياءه أصلا من الثورة).. فإنّه لا يجب معاقبة أو ازدراء آخرين مثل الوالدين أو الأبناء أو الأقرباء أو الأزواج.. أو أخذهم بجرم وإثم أولادهم أو والديهم أو أزواجهم أو أقربائهم..
فالجرم شخصيّ ولا يتحمّل وزره إلاّ صاحبه..
وكلّ فرد هو مسؤول دون غيره وشخصيّا عن أفعاله وأقواله..
–
لكنّها تعاسة الفكر والقيم والأخلاق التي يعتنقها ويحملها ويروجّها أمثال معزّ الجودي..!!
–
معزّ الجودي بنظرته إلى أمّهات البوعزيزي ومرتكب جريمة نيس وأمّهات غيرهم.. يعكس في الحقيق.. بوضوح وعمق.. نفس الفكر الفاشيّ الذي يحمله الديكتاتوريّون والمستبدّون..
فكلّ الأنظمة الديكتاتوريّة تتعامل بدورها مع معارضيها مثلا.. ومع المجرمين.. بطريقة فاشيّة تشمل عائلاتهم..
فالنظام الاستبدادي.. ينكّل عادة حتّى بعائلات ووالديّ وأبناء وأزواج الشخص الذي يعاقبه.. متجاوزا وخارقا المبدأ القانوني والإنساني والقيمي والديني.. بأنّ العقوبة شخصيّة..!!
حتّى نظام بن علي أهان وعاقب ونكّل بعائلات وأمهّات خصومه..!!
بل أنّ اسرائيل مثلا لا تزال تنفّذ إلى اليوم عمليّات هدم مساكن الفلسطينيّين الذين يقومون بعمليّات فدائيّة ضدّ جنودها أو مواطنيها.. رغم أنّ والدي الشخص المعني لا يتحمّلون شرعا وقانونا مسؤوليّة أفعال ابنهم.. ولكنّها غطرسة الفكر الفاشي والاستبدادي..!!
وهي نفس الروح التي يعكسها تعليق ومهاجمة معزّ الجودي لأمّهات شبّان تونسيّين مهما كانت أفعال أبنائهم..!!!
–
و”إذا عُرف السبب بطل العجب” كما يقال..
فمعزّ الجودي في المقابل يعتبر بأنّ عبير موسي هي السياسيّة الوحيدة بالبلاد التونسيّة.. وكلّ البقيّة شيء آخر.. كما قال في تدوينة أخرى..
وهو مثلا من فرط موضوعيّته الفائضة وذكاءه الثاقب وفهمه الحلزوني.. يروّج للكذبة التي أطلقتها المذيعة ملاك البكّاري مقدّمة برنامج “رونديفو 9” على قناة التاسعة التلفزيّة.. بكون حوار عبير موسي شهد نسبة مشاهدة قياسيّة بلغت 3.5 مليون متفرّج..
وهو طبعا شيء أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى مجرّد التدجيل الإعلامي الذي تصنعه مخابر الترويج والبروباغندا لعبير موسي..
لكونه لا يوجد أوّلا أيّ آليّة إحصاء دقيقة في تونس يمكنها أن تعطي نسب المشاهدة بدقّة.. وبالتالي فالأرقام مشكوكا فيها ولا تستقيم..
ولكونه لا يعقل ثانيا أنّ ثلث الشعب التونسي جلس ليشاهد مجرّد حوار صحفي مع سياسي معيّن في وقت عادي أيّا كان ذلك السياسي.. بالنظر إلى أنّ مثل تلك النسب القياسيّة تُسجّل عادة فقط في أحداث متميّزة أو خارقة.. مثل كلمات رؤساء الجمهوريّة أو الحكومة في أوقات أو أحداث مهمّة أو خطيرة.. أو في حوارات صحفيّة سياسيّة في أحداث وطنيّة مهمّة جدّا أو استثنائيّة أو طارئة.. أو أثناء حملات أو مناظرات إنتخابيّة.. أو غيره ممّا يشبه ذلك..
أمّا تفرّغ ثلث الشعب التونسي لمشاهدة حوار تلفزي عادي وروتيني مع رئيسة حزب هي عبير موسي أو غيرها.. في زمن عادّي.. وفي وقت تقوم فيه نفس الشخصيّة بعشرات الحوارت دوريّا وكلّ يوم في الإعلام.. بما لا يجعل الحوار نادرا أو حصريّا أو استثنائيّا.. فهو أمر لا يمكن تصديقه إلاّ من أحبّاء عبير.. أو من السذّج المصابين بقصور في ملكة المنطق والتفكير والتحليل..!!!
–
من المعلوم بأنّ معزّ الجودي هو من أنصار عبير موسي.. ومن الناشطين أصلا في حزبها.. وتعكس أفكاره بالتأكيد نفس نزعتها الفاشيّة..
وهو يشاطر سيّدته عبير نفس نظرتها السلبيّة للثورة التونسيّة.. التي وإن لم تحقّق أهدافها الاقتصاديّة والاجتماعيّة حتّى اليوم.. وذلك أمر طبيعي احتاج أيضا إلى وقت طويل في كلّ التجارب السابقة.. بما فيها الدول المتقدّمة اليوم التي احتاجت ماضيا وبدورها إلى زمن طويل لتحقيق الانتقال الديمقراطي وتأسيس نظام سياسيّ حرّ جديد والوصول لاحقا إلى الرخاء الاقتصادي والمالي والاجتماعي.. فإنّ الثورة أتت لتونس رغما عن كلّ السلبيّات والمساوئ بالحريّة والديمقراطيّة وحقّ الشعب في اختيار حكّامه ومراقبتهم ونقدهم ومحاسبتهم وفضحهم وحتّى عزلهم ومحاكمتهم عند الاقتضاء.. وأطاحت بالديكتاتوريّة وبالاستبداد وبالنظام البوليسي والقمع وبالمنظومة الفاسدة والمتمعّشة من ثروات البلاد.. الشيء الذي يظهر بأنّ أمثال عبير موسي مجرّد الصانعة السابقة لصنّاع صانع التغيير.. وأذيال تلك المنظومة الفاسدة من طينة معزّ الجودي.. يتحسّرون عليها.. ويبكونها ليلا نهارا.. كما يبكون إلى الآن بن علي.. ويهاجمون الثورة التي كان لها الفضل في كنس زين العابدين ومنظومته وزبانيته.. وفي تعرية خور الأشخاص من أمثالهم..
–
ليست الأراء السياسيّة والفكريّة والقيميّة والأخلاقيّة فقط التي تشكو علّة وعطبا وانخراما لدى معزّ الجودي.. فحتّى آراءه الاقتصاديّة بوصفه خبيرا اقتصاديّا “مفترضا”.. والأصحّ أنّه “مفروضا” من إعلام المنظومة.. يشكو علّة وانخراما في التفكير والتحليل.. وكلّ من يستمع إلى تصريحات معزّ الجودي.. خاصّة من أهل الاختصاص.. لا تغيب عنه سخافة وانحراف التحليلات الاقتصاديّة الحلزونيّة التي يتفنّن فيها..!!
–
أمثال معزّ الجودي هو في الواقع إحدى الإفرازات التعيسة لمنظومة كمال اللطيّف الذي فرضه ونفخ في صورته عبر أذرعه الإعلاميّة بعد الثورة.. ضمن حملة تصنيع وتفريخ خبراء مصطنعين وعلى القياس في كلّ المجالات.. ومنها السياسيّة والاقتصاديّة والاعلاميّة والأمنيّة.. بغرض محاولة صناعة “رموز” شعبيّة مؤثّرة تحتوي الرأي العام وتوجّهه.. وتقوم بدمغجة الجمهور من أجل خدمة أهداف الثورة المضادّة..!!
هكذا تحوّل معزّ الجودي فجأة وسريعا.. من شخص مغمور بلا كفاءة أو علم خاصّ أو خبرات استثنائيّة.. إلى خبير إقتصاديّ مفترض ومفروض يملأ فضاءات الإعلام دون استحقاق.. ويسوّق للتعاسة الفكريّة..!!
–
ولكنّها تعاسة زائلة ما في ذلك شكّ..
“فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً”..
–
–
الأستاذ عبد اللّطيف درباله