يوميات مريض بالكوفيد
أعتقد أنني استيقظت
مازالت العتمة جاثمة في الغرفة. رغم وشوشة أصابع الشمس التي تحاول أن تتسلل من وراء قضبان النافذة والستائر قبل أن يحجبها مرة أخرى سحاب أتوقعه متحكما في رماد الْيَوْم الشتائي.
تبدو هذه النقرات وكأنها حبات مطر. هل تمطر؟ ارتعشت لمجرد السؤال فسحبت الغطاء لحدود أنفي بينما تتمطط روائح النوم مثل سيجار كوبي فاخر.
عواء مكتوم تتبادله الريح مع الاشجار حول البيت. رقصات ومزامير حزينة تعيدها الطبيعة منذ ملايين السنين كانها تراتيل تريد للانسان أن يفهمها فلا يفهم. لذلك ترمينا الطبيعة بطيور أبابيل وزواحف وثدييات وفِي ألسنتها لهب الفيروسات تصفعنا بها بين الفينة والاخرى. فنضعف ونخاف ونتصاغر ونعرف حجمنا ونتذلل ثم نعود من جديد للجهل والصلف والغرور.
انحبي أيتها الريح. فالمطر قد ثبّتت التراب على القبور الطرية ولن يؤلم الغبارُ عيون النائحين على موت أحبابهم ضحايا الوباء. ساعديهم أيتها المطر العجوز فلقد تعبت مآقيهم وندرت دموعهم. كوني عيونهم التي جفت.
هل أستيقظ؟
أتكاسل تحت الغطاء وأتقلّب ببطء. شعور جيد ولكن خجول يتمدد هو أيضا. أغمض عيني وأرهف السمع فتأتيني بوضوح أصوات المعركة داخلي. عملية نوبة تغيير الفرق المحاربة كانت جارية. قوات الاجسام المضادة التي خاضت الحرب الليلية تسلم مواقعها للقوات الصباحية التي ارتاحت بضعة ساعات. تحية علم قصيرة وأصوات أحذية عسكرية ثقيلة.
لم تكن المعارك سهلة. كان العدو مخاتلا . وبعد هجمات أولى مباشرة وقع دحرها، تشتّت واختار حرب العصابات الأصعب والأطول. كان يهاجم في مواقع متعددة: الأنف، الحنجرة، المفاصل فينتج حمى ولهيث وصداع وتعب.
ولكن جيشي الداخلي المسنود بدعم الاطباء و خبرتهم (وحماسة درويش والمتنبي وأبو نواس) كان يعرف أن هدف الفيروس الأول هو اقتحام الرئة. لذلك كانت قوات النخبة كلها هناك تنتظره.
في الْيَوْمين التاسع والعاشر من المعركة بدأ هجوم الفيروس الحقيقي. هناك في الرئة كما كان متوقعا. في البداية حقق بعض التقدم حيث ترك التبغ مواقع هشة ولكن قوات النخبة المدعومة بدواء جديد من الأدوية وتكتيكات قتالية مختلفة استطاعت صدّه. وهي الآن تتعامل مع فلوله المتبقية. وتنتظر هجومه المقبل. فالفيروس له أكثر من حيلة وأكثر من موقع اختباء.
“حيا الله رجال المعركة ونساها! الاصبع على الزناد يا جماعة!”
يجب أن أستيقظ
قبل النوم خطرت ببالي رغبة ارتداء قشابيتي الرمادية الجميلة في الْيَوْم الموالي. فتحت الخزانة. سحبت الثوب وقبل أن ألبسه اشتممته بعمق. فالقشابية لها قدرة عجيبة على اختزان عطور سحرية عجيبة. إنها تذكرني بوالدي الذي تركني يتيما في سنّ خمس سنوات. كان يلبس مثلها ولكن بلون مختلف من صنع مثاليث صفاقس.
أما فشابيتي الرمادية التي صنعتها بإتقان ذاكرة نوميديا بسليانة فقد أهداني إياها شقيقي صلاح الدين البرقاوي.
لباس صوف يحتوي رائحة أب وعطف شقيق ورموز وطن مهيبة. حالما ارتاح الثوب على أكتافي احسست أنني وضعت درعا ربطني مثل دروع الذكاء الاصطناعي الحديثة بأجدادي الصالحين تحت الأرض.
برنامجي الْيَوْم، إضافة للدواء، هو الغوص في الكتاب الرابع منذ بداية المحنة. كتاب أعيد قراءته للمرة الثالثة وسأعيد قراءته مرة أخرى دون شك رغم صفحاته ال700. تاريخ تونس للحبيب بولعراس. فهذا جزء من دواء آخر ضد فيروسات أخرى.
احذر!!! كتاب فن الحرب دائما في متناولي.
لا مفرّ من النصر
محسن مرزوق