بين الطموح والواقعية .. البحث عن اقتصاد في حالة احتضار .. بقلم جنات بن عبد الله

تعمل حكومة الكفاءات ذات الحزام السياسي هذه الايام على التسويق لأمل الخروج من أزمة مالية واقتصادية حادة بالحديث عن اعداد “برنامج طموح وواقعي” كما وصفه وزير المالية يوم الخميس 1 أفريل 2021 بالتنسيق مع الأطراف الاجتماعية تمهيدا للمشاركة في اجتماعات الربيع بواشنطن لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدخول في مفاوضات جديدة على أسس اشترطها الصندوق لمنح تونس قرضا جديدا لتمويل ميزانية الدولة لسنة 2021.
وحسب وزير المالية والاقتصاد ودعم الاستثمار علي الكعلي شكل الاتفاق المشترك الذي تم توقيعه يوم الأربعاء 31 مارس 2021 بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل أحد محاور هذا البرنامج “الطموح والواقعي” الذي “سيمكن التونسيين والشركات من العيش في واقع اقتصادي واجتماعي أحسن مما هو عليه الان” حسب تصريحه.
ويتمثل هذا الاتفاق في الدخول في مفاوضات ونقاشات بين الطرفينحول الإصلاح الجبائي،وإصلاح منظومة الدعم، وتأهيل مسالك التوزيع والتحكم في الأسعار،وإصلاح سبعةمؤسسات ومنشآت عموميةهي الخطوط الجوية التونسية،وشركة الفولاذ، وديوان الأراضي الدولية، والشركة التونسية للشحن والترصيف، والصيدلية المركزية،والشركة التونسية للكهرباء والغاز،والشركة التونسية للصناعات الصيدلية.
في المقابل جاء بيان مجلس إدارة البنك المركزي الصادر عن اجتماعه الدوري بتاريخ 31 مارس 2021 ليرسم صورة ضبابية لاقتصاد وطني ضائع بين مؤشرات مالية واقتصادية واجتماعية يتم التسويق لها بطريقة مبهمة وفي تناقض مفضوح مع ما يعيشه المواطن التونسي من تدهور لمقدرته الشرائية من جهة، وما تعانيه المؤسسة الاقتصادية في القطاعات الثلاث الفلاحة والصيد البحري والصناعة والخدمات من صعوبات تهددها بالاندثار من جهة ثانية.
مشروع البرنامج الاقتصادي الذي تعمل الحكومة على الانتهاء منه هذه الأيام للخروج من الأزمة، كما يتم الترويج له، يطغى عليه الطابع السياسي ويفتقر الى رؤية وطنية تستند اليها هذه الحكومة التي انخرطت منذ اليوم الأول في البحث عن تمويل خارجي ضابطة بذلك لنفسها مربع تحركها الذي رسمته الخطوط الحمراء التي يفرضها المقرضون الدوليون من صندوق دولي وبنك دولي واتحاد أوروبي.
فقد تبنى هذا البرنامج الاقتصادي نفس الشعارات التي رفعتها الحكومات السابقة والتي أدت الى انهيار كل المؤشرات المالية والاقتصادية والاجتماعية ممثلة في تحقيق العدالة الجبائية… وتوجيه الدعم لمستحقيه… وإنقاذ المؤسسات العمومية… والضغط على الأسعار، شعارات تبناها وزير المالية الذي بشر التونسيين والشركات اليوم بغد أفضل وذلك على خطى من سبقه في الحكومات السابقة.
ولئن تحمل هذه الشعارات بصيص أمل في برنامج انقاذ اقتصادي،وصفته الحكومة بالواقعي والطموح، فإننا نتساءل عن مدى حقيقة جرعة الواقعية والطموح في ظل:
– قانون استقلالية بنك مركزي حول ميزانية الدولة الى رهينة لدى بنوك محلية أغلبها ذو مساهمات أجنبية،
– وسياسة نقدية متشددة تدعي حرصها على احتواء تضخم مصدره غير نقدي ودمرت جميع محركات النمو من استهلاك واستثمار وتصدير،
– ودينار منهار دمر كل محاولات انقاذ منظومات إنتاج تحولت الى ضحية توريد متحرر من كل القيود، وكبل البلاد في ديون خارجية خطيرة لا أمل في التحرر منها على مدى عقود قادمة،
– وسياسة تقشف قضت على ميزانية التنمية والمشاريع العمومية وانخرطت في تدمير كتلة الأجور والطبقة الوسطى وإرساء سياسة التفقير والتجويع والجهل والموت…
– وسياسة انفتاح متمردة على الخطوط الحمراء للسيادة الوطنية.

Comments are closed.