تسببت اختناقات التوريد وتقلبات التجارة العالمية في تأخير انطلاق قاطرة الاقتصاد الأوروبي، خاصة ألمانيا أكبر قوة اقتصادية أوروبية التي تتأثر بشكل مباشر في ظل اعتمادها على قطاعها الصناعي المصدر، إذ ينسف نقص المواد الحاد الذي تشهده الأسواق، النمو الاقتصادي للبلاد.
وفي تقرير مشترك حول تواقعاتها نصف السنوية أصدرته أمس الخميس، خفضت المعاهد الاقتصادية الرئيسة في ألمانيا من توقعات لنمو اقتصاد البلاد في 2021 إلى 2.4 % مقارنة بـ3.7% تنبأت بها في أبريل/ نيسان الماضي.
وقالت المعاهد في بيان مشترك إن “جائحة كورونا لا تزال ترسم مسار الوضع الاقتصادي في ألمانيا” ما يحول دون العودة إلى نشاط اقتصادي طبيعي. والمعاهد وهي “دي أي في”( DIW ) و “أي إف أو” (Ifo) و “أي إف في” (IfW) و “أي في إتش” (IWH) و “أر في أي” (RWI).
وتعثر الاقتصاد الألماني بسبب اختناقات سلال الإمداد ونقص السلع في السوق العالمية بعد نمو سريع في الربيع “ما أعاق التصنيع” ما يعني أن “فقط قطاعات الخدمات المرتبطة بالمستهلكين هي التي تنمو” وفق المعاهد.
وقالت المعاهد الاقتصادية إنه يتوقع”التغلب تدريجيا” على تداعيات الوباء ونقص السلع في 2022، ورفعت آفاق النمو لذلك العام من 3.9% إلى 4.8 %.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي، بما فيها تلك المتعلقة بألمانيا ملقيا باللوم على اضطرابات الامدادات.
في السياق، يقول رئيس اتحاد الصناعات الألمانية (بي دي آي) يواخيم لانغ إن على الأنشطة التجارية أن تستعد لــ”خريف صعب” وذلك في تصريحات الأسبوع الماضي ردا على أسئلة حول تراجع أرقام الصادرات.
ورأى كبير الخبراء الاقتصاديين في مجموعة في “دي إم إيه” للصناعات الميكانيكية “رالف فيشرز” إن الشركات تواجه نقصًا في جميع المجالات، “سواء كانت الأخشاب الخاصة بتصنيع الصناديق أو لوازم أغلفة التعبئة أو الفولاذ، المهم لقطاعنا، أو رقائق الكمبيوتر وأشباه الموصلات”.
كما بدأت طلبيات الزبائن تتراجع لدى الشركات التي يمثلها فيشرز بسبب عدم توفر اللوازم الضرورية. وقال في هذا الصدد “لا يحصلون على اللوازم البلاستيكية، فلمَ يشتروا ماكينات لمعالجة البلاستيك؟”. وتسبب تدهور الوضع الاقتصادي في تراجع عدد من المؤشرات الرئيسية في ألمانيا.
وكانت وكالة الإحصاء الاتحادية في ألمانيا “ديستاتيس”قد أعلنت الأسبوع الماضي عن تراجع مسار الانتاج الصناعي في أغسطس/ آب الماضي ليسجل انخفاضا بنسبة 4% على أساس شهري، فيما تراجعت الطلبيات بنسبة 7.7% بعد أرقام قياسية في يوليو/ تموز.
ويسدد النقص في السلع ضربة لإنتاج الشركات وعائداتها، حسبما يقول فيشرز، فيما تعد الهندسة الميكانيكية من القطاعات الأكثر تضررا. وفقط قطاع السيارات الرئيسي في ألمانيا يعاني بشكل أكبر من ندرة المواد، وهو وضع مدفوع إلى حد كبير بنقص إمدادات شبه الموصلات، المكون الذي يدخل في تصنيع المركبات التقليدية والكهربائية.
وتوقفت خطوط الإنتاج في ألمانيا لدى فولكسفاغن وأوبل وفورد مع تفاقم الاختناقات، فيما تقوم بي إم دبليو ومرسيدس بنز بتسليم مركبات تنقصها مكونات، وفق مجلة فيرتشافتسفوخ الأسبوعية الألمانية.
وانكشاف المانيا على مشكلة الإمدادات العالمية واعتمادها على الصادرات، يعني أن القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا ستبلغ مستويات ما قبل الوباء “بشكل متأخر عن معظم الدول الأخر”، حسبما يرى كارستن برزيسكي رئيس قسم الأبحاث الكلية في مصرف “آي إن جي”.
وقال برزيسكي إن مشاكل سلاسل الإمداد «نسفت» النمو القوي الذي ساهم فيه برنامج التعافي الحكومي.
كذلك، ساهمت ندرة المواد في زيادة التضخم وارتفاع الأسعار في ألمانيا بأعلى وتيرة لها منذ 1993، وصولا إلى 4.3 % على أساس سنوي، حيث تجاوز معدل التضخم السنوي في ألمانيا خلال سبتمبر/ أيلول الماضي 4% لأول مرة منذ 28 عاما، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وفقا لتقرير أصدرته وكالة الإحصاء الاتحادية قبل عدة أيام.
اخبار العالم في اروبا