شهدالدينار تراجعاً في سعره أمام الدولار أوائل هذا الأسبوع، وبلغ سعر صرف الدولار 2.9 دينار في انحدار ملحوظ مقترباً من السعر الذي نزل إليه في ربيع 2020 في مستهل أزمة “كوفيد-19″، ويعكس تراجع الدينار تجاه الدولار المصاعب التي تمر بها العملة التونسية متأثرة بالأزمة المالية التي تمر بها البلاد، إذ أعلنت تونس عن ارتفاع عجز الميزان التجاري في الثلاثي الثالث من هذه السنة وتفاقم التضخم، وسط تراجع حاد للاستثمار وصعوبات تمر بها المؤسسات الخاصة التي أغلق جزء كبير منها أبوابه نهائياً، إضافة الى عجز في الموازنة لسنة 2021 في حين بدت مؤشرات النمو بعيدة كل البعد من التقديرات الأولية للدولة التونسية والجهات المانحة، وراوحت المستويات السلبية، في وقت أعلن وزير الاقتصاد سمير سعيد عن خطة لإنعاش الاقتصاد، وكشف الصندوق النقد الدولي عن تلقيه طلباً للمساعدة من الحكومة التونسية.
شح العملات
كشف البنك المركزي التونسي، في 22 نوفمبر 2021 أن سعر الدينار مقابل الدولار قد تراجع إلى أكثر من 2.90 مقابل 2.69 بداية العام الحالي و2.79 في شهر جويلية الذي شهدت فيه تونس إجراءات استثنائية من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد وتمتد إلى اليوم، في حين بلغ سعره 2.74 في شهر نوفمبر سنة 2020، وبلغت نسبة ارتفاع الدولار مقابل الدينار 6.49 في المئة مقارنة مع السنة المنقضية.
يذكر أن سعر الدينار التونسي كان قد تجاوز لأول مرة حاجز 2.9 إزاء الدولار في ربيع سنة 2019، حيث وصل إلى 3.06 دينار، وقد اعتبر هبوطاً قياسياً غير مسبوق، قبل أن يرتد صعوداً ليعاود من جديد الانزلاق أمام الدولار، ويبلغ سعره أكثر من 2.9 يوم 21 أبريل (نيسان) 2020 بالتزامن مع اندلاع أزمة “كوفيد-19”.
القدرة الشرائية
وينتظر أن يؤثر تدني سعر الدينار أمام الدولار على القدرة الشرائية للتونسيين وأن يعمق التضخم، وكانت البلاد قد أعلنت عن تنامي التضخم الذي بلغ مستويات مرتفعة بـ 6.3 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ويشار إلى أن سعر الدينار مقابل الدولار استقر عند 1.46 في شهر يناير (كانون الثاني) 2011، وقد فقد الدينار 40 في المئة من قيمته تجاه اليورو في السنوات الـ 10 المنقضية.
ويعمل البنك المركزي التونسي على التدخل باستمرار لتعديل السوق بضخ العملة الصعبة، وتمويل عمليات التوريد في ظل شح العملات التي يوفرها قطاع الخدمات الذي يشهد بدوره تراجع عائداته وأهمها القطاع السياحي.
ويبلغ مخزون تونس من العملة الصعبة بحدود 26 نوفمبر الحالي 20.6 مليار دينار (7.1 مليار دولار)، وشهد تراجعاً حاداً في الأشهر الأخيرة نتيجة تنامي خدمة الدين، حيث قامت تونس بتسديد جملة من القروض السيادية.
نزيف
وفسر المحلل الاقتصادي جمال بن جميع نزول الدينار بالانتعاش الذي يشهده الدولار في المدة الأخيرة والصعود الذي سجله، إذ ارتفع مقابل اليورو أيضاً، لكن ذلك لا يمنع المخاطر المحدقة بالعملة الوطنية التونسية التي لا تقاوم نسق انحدارها في العقد الأخير، وظلت تخسر قيمتها تجاه العملات متأثرة بالوضع الاقتصادي العام في البلاد، وتابع بن جميع أن مناخ عدم الثقة في الاقتصاد التونسي زاد في تدحرج العملة في الأيام الأخيرة، ويأتي بناء على تعثر المفاوضات مع المانحين منذ أشهر، وانطلاقها في الأيام الأخيرة مع صندوق النقد الدولي من دون التأكد من الوصول إلى توقيع اتفاقية جديدة وفق الأصداء المتوفرة.
مستوى المديونية
أما العامل الرئيس المؤثر فهو مستوى المديونية الذي بلغ درجات عالية غير مسبوقة في تاريخ تونس، وهو ما يطلق عليه بالمديونية المشطة التي تساوي 110 في المئة من مجمل الناتج الداخلي الخام، ويتحتم على تونس تحقيق نسبة نمو تساوي سبعة في المئة لتسديد فوائد ديونها، و10 في المئة لتتمكن من تسديد مجمل الدين، وفي المقابل، بلغت نسبة النمو 0.5 في المئة في النصف الأول من سنة 2021، كما راوحت نسبة النمو 0.3 في المئة في الربع الثالث من السنة الحالية، وتسير البلاد نحو تحقيق نسبة 0.7 في المئة سنوياً، وهو معدل النسبة السنوية المسجلة منذ 10 سنوات، حيث عجز خلالها الاقتصاد عن خلق الثروة وتوفير المداخيل من العملة الصعبة، ما أصاب العملة الوطنية بنزيف متواصل فقدت خلاله ما يقارب نصف قيمتها تجاه الدولار واليورو، ومن البديهي أن يؤثر الانحدار مقابل اليورو بشكل أعمق بحكم الصفة التشاركية مع الاتحاد الأوروبي الذي يمثل الشريك الأول لتونس.