“المحتكروون يسعون للتحكم في السوق التونسية وفي سياسيات الدولة ولا مجال للتسامح معهم وسيدفعون الثمن غاليا..هؤلاء مجرمون ينكلون بالشعب التونسي ويدفعون المال لمن يغض الطرف عنه لكن الدولة ستستمر وسنتصدى لهم”. بهذا الوعيد علق رئيس الجمهورية قيس سعيد على أزمة النقص الحاد في قضبان الحديد المعدة للبناء بالتوازي مع التصاعد الصاروخي لسعرها من خلال الزيادات الرهيبة التي تتغير من يوم إلى آخر بشكل يعتبره التونسيون غير مبرر وأعلن، في أوت الماضي، حملة تعقب المنتجين والمضاربين وجرى حجز أكثر من 21 الف طن من حديد البناء بأحد أكبر المصانع الذي يواجه قضايا بتهمة الاحتكار، لكن ذلك لم يخرج من هذه الأزمة التي مازالت تطفو على السطح إلى حد هذا اليوم فالمحتكرون والمضاربون ضربوا تهديدات سعيد ووعيده عرض الحائط، مواصيلين “تلاعبهم”.
فمنذ يومين، تمكنت مصالح الديوانة بالمكتب الحدودي للديوانة برأس جدير من معتمدية بن قردان التابعة لولاية مدنين من التصدي لعملية تلاعب كبير بحديد البناء أثناء محاولة تصدير كمية كبيرة من هذه المادة من قبل شركة صناعية تونسية نتج عنه مخالفة مزدوجة قدرت قيمتها الجملية بحوالي 524 ألف دينار.
وتتمثل العملية، وفق مصادرنا، في اعتزام الشركة سالفة الذكر تصدير 69100 كغ من الحديد بقيمة 303 ألف دينار، وأثناء المعاينة ووزن الشاحنتين تفطن الضابط والعون المكلف بتسريع البضاعة إلى نقص في الكمية المصدرة فعليا تقدر ب 41100 كغ أي ما يعادل 60% من البضاعة المصرح بها للتصدير بقيمة فعلية تقدر ب187 ألف دينار كان سيتحصل عنها عبر تحويل بنكي كمحصول تصدير من العملة الصعبة معفى من الأداء بدون وجه حق( مخالفة صرفية). كما أن الكمية الناقصة والمقدرة 41100كغ من الحديد قد يكون وقع التفويت فيها بالسوق الداخلية دون وجه حق ودون خلاص الاداءات الموظفة عليها (القيمة المضافة حوالي 34300 دينار).
عمليات الاحتكار والمضاربة أشعلت أسعار الحديد وتجفيف المعروض في السوق الداخلية، ما أثر سلبا بشكل كبير على مشاريع البناء والتشييد، حيث خلفت هذه الوضعية استياء شديدا في صفوف المقاولين الذين شرعوا في تشييد عدد من الأبنية والشقق واصحاب المصانع التي توقفت عن الانتاج.
وكانت الغرفة النقابية للاشغال العامة والبناء قد نددت بأزمة فقدان مادة الحديد بكامل تراب الجمهورية الامر الذي تسبب في تعطيل شبه تام للمشاريع الكبرى والصغرى وما يتبع ذلك من خسائر فادحة لمؤسسات البناء وصغار المقاولين وحتى للمواطن، وقد يصل الامر الى تعليق اشغال المشاريع وتسريح العمال اذا لم يتم ايجاد حل، وفق تقديرها، علما وأن قطاع البناء والاشغال العامة يعتبر من القطاعات الحيوية، إذ هذا القطاع.
أسعار الحديد شهدت ارتفاعا حادا مرتين منذ بداية العام الجاري، حيث تم الترفيع فيها بنسبة 15 بالمائة في مطلع جانفي وبنسبة 10 بالمائة في مارس الماضي ما يرفع من نسبة زيادة الاسعار منذ بداية العام الجاري الى 40 بالمائة، تلتهما زيادة جنونية ثالثة، حيث سمحت وزارة التجارة، أمس الاثنين 6 ديسمبر 2021، بزيادة في هذه المادة بنسبة 14 بالمائة ليصبح معدل سعر الطن من مادة الحديد 3000 دينار، مع التنصيص على أن هامش الربح عند التوزيع لا يجب أن يتخطّى 100 دينار على الطن الواحد.
ويذكر أنه، خلال الفترة المتراوحة بين عامي 2017 و2020، شهدت أسعار حديد البناء في تونس زيادة في 6 مناسبات، أربع منها في 2017.
وحسب وزارة التجارة، فإن أسعار مادة الحديد ارتفعت من 603 دولار للطن الواحد في مارس 2021 إلى 725 دولارا في شهر ماي من نفس السنة.
في تونس توجد 7 مصانع لإنتاج الحديد، 6 منها للقطاع الخاص، ومصنع على ملك الدولة تقدر حصته من الإنتاج الوطني بـ20 في المائة. وهو تقريبا متخصص في الحصول على “الخُردة” التي يتم تجميعها وتحويلها إلى عروق فولاذية. كما تستورد تونس القضبان الفولاذية الخام من تركيا وأوكرانيا وتتمتع واردات هذه المادة بالإعفاء من الرسوم الجمركية.
يثرب مشيري