أجسامنا كائناتٌ حيةٌ مُعقدة ذات ميزات ووظائف لا حصر لها، ومن الطبيعي أن يحدثَ تلفٌ أو أخطاء في خلايانا وأنسجتنا بمرورِ الوقت، وهذه التغيرات قد لا تُمثلُ مُشكلةً في أعوام شبابنا، إذ قد تملك أجسامنا احتياطيات كافية لتعويضها، أو أنها ببساطة تصلح العديد منها، لكنَّ القدرةَ على التعاملِ مع هذا الضرر تتناقص مع تقدمنا في العمر، وتبدأُ هذهِ المُشكلاتُ في التراكم، ما يؤدي إلى ظهورِ علامات الشيخوخة.
عندَ الحديث عن الشيخوخة Aging، تتبادرُ إلى الذهنِ أسئلةٌ عديدة، لماذا تشيخُ أجسادنا؟ وإلى أي عُمرٍ يستطيعُ الإنسانُ أن يصل؟ ولكنَّ الشيخوخةَ في الواقع تعني أكثرَ من مُجردِ التقدم في العمر.
مُعظمُ الأشخاص مُتقبلونَ لحقيقةِ أنَّ التقدمَ في العمر أمرٌ لا مفرَ منه في الحياة، نحنُ نُولد ونكبرُ ونصير أشخاصًا بالغينَ وناضجين، ثمَ تشيخُ أجسادنا إلى أن نصلَ إلى عمرِ الـ 80-85 عامًا.
طُرحت العديدُ من الآلياتِ المُقترحةِ للشيخوخة منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي لفهمِ هذهِ العمليةِ التي تودي بالجميعِ إلى الموت، إذ صنّفَ العلماء الأسباب المُحتملة للشيخوخة إلى نوعين:
الشيخوخة الذاتية Intrinsic aging وهي عمليةٌ مُحددةٌ وراثيًا، وتحدثُ دائمًا بصورةٍ طبيعية، والشيخوخة الخارجية Extrinsic aging وهي نتيجةُ قراراتٍ تتخذها أنت، مثل مكان سكنك، أو فيما إذا كُنتَ مدخنًا أم لا.
شيخوخةُ الخلايا Cellular aging هي أحد أشكال العواملِ الذاتية للشيخوخة، إذ تُعتبر الخلايا وحداتِ البناء الأساسية في الجسم، وهي مُبرمجةٌ لتنقسم، وتتضاعف، وتؤدي وظائفَ بيولوجية مهمة، ولكن كلما انقسمت الخلايا أكثر، تقدمت في العمر أكثر، وفي النهاية، تفقدُ قدرتها على العمل بصورةٍ صحيحة، يحدثُ هذا بواسطة ما يُعرفُ بقصر التيلومير Telomere shortening، وهو أحدُ العوامل المعروفة التي تؤدي إلى فقدان الخلايا قدرتَها على الانقسام، إذ يُخَزَنُ الدنا DNA الخاص بنا على شكل خيوطٍ ملفوفة بإحكام تشكلُ هياكل تُعرفُ بالكروموسومات Chromosomes.
تتوضعُ التيلوميرات في النهاية القاصية من الكروموسومات، وتمثلُ الجزءَ غير المُهم وغير المُنتسخ من الـDNA. عندما تنقسمُ الخلايا فإنَّ الـDNA يجبُ أن يُنسخ، وأثناءَ النسخ لا بُدَّ من حدوثِ أخطاء تُفقدُ فيها أجزاءٌ من نهاية الـDNA، وهنا تُنقذُ التيلوميرات الموقف، إذ يُقطعُ ويُفقدُ جزءٌ صغيرٌ من التيلومير بدلًا من حمضنا النووي المهم، ولكن بعدَ عددٍ مُعينٍ من الانقسامات، يُستهلكُ التيلومير، ولا يعودُ قادرًا على حمايةِ الـDNA المُهم.
إلى جانبِ فُقدانِ الخلايا لقدرتها على الانقسام، يصير جهاز المناعة أقلَ حرصًا مع مرورِ الوقت، ويفقدُ القدرة على التمييزِ بين خلايا الجسم وخلايا العدو، فتهاجِمُ الخلايا المناعية الجِسمَ في ظاهرةٍ تُسمى المناعة الذاتية Autoimmunity.
نتعرضُ باستمرارٍ للهجومِ من بيئتنا، وتتراكمُ الأضرارُ الناتجةُ عن هذا الهجوم داخلَ جسمنا، تؤثرُ هذهِ الأضرارُ على الحمض النووي، والبروتينات، والدهون في أجسامنا، وتُحطِمُ وتُضعِفُ المكوناتِ المُختلفةَ التي نحتاجُ إليها للبقاء على قيدِ الحياة. الشيخوخةُ البيئية Environmental aging والضررُ الناتجُ عنها مُرتبطان بالشيخوخةِ الخارجية، يشيرُ هذا المصطلحُ إلى كيفية تأثيرِ مُحيطنا وأسلوبِ حياتنا في كيفية تقدمنا بالعمر.
يعدّ التَجعُد Wrinkling أحدُ أعراضِ الشيخوخة الأكثر شيوعاً، إذ ينخفض إنتاج الجلد للكولاجين بمقدار 1% كل عام بعدَ عُمرِ العشرين، ما يؤدي إلى زيادة هشاشة الجلد، ومع ذلك، تُعد الأشعة فوقَ البنفسجية التي تشعها الشمس المسألة الأكثرُ خطورةً، إذ تؤدي إلى 80% من تجاعيدِ الجلد بمرور الوقت.
تعتبر التجاعيدُ إحدى أكثرِ الأعراضِ التي يُمكنُ الوقايةُ منها، لذلكَ لا تنسَ استخدامَ الواقي الشمسي. من الأسبابِ الأُخرى التي تُعجِّلُ من شيخوخةِ البيئة، تلوث الهواء، والتدخين، وتناول الكحول، وسوءُ التغذية، والتعرض للأشعةِ فوق البنفسجية.
يصل معدل حياة البشرُ إلى 120 عام، لكن من النادر جدًا أن يصل أحدٌ إلى مثلِ هذا العُمر، يصلُ مُتوسطُ أعمارِ الرجال في ألمانيا إلى 78 عامًا، والنساء إلى 83 عامًا. إحصائيًا، يكونُ مُتوسطُ العمرِ المُتوقع أعلى قليلًا إذا كنتَ قد وصلتَ بالفعل إلى عمرٍ مُعين، على سبيل المثال، يمكنُ لشخصٍ يبلغُ من العمِر 60 عامًا أن يتوقع أن يعيشَ حتى عمر الـ 82 عامًا إذا كان رجلًا، وحتى الـ 85 عامًا تقريبًا إن كانت امرأة.
في العقودِ الأخيرة، ارتفعَ مُتوسطُ العمرِ المتوقع في جميع أنحاءِ العالم، ويعود ذلك إلى العديدِ من العوامل منها تحسُن التغذية وزيادة الاهتمام بالنظافة الشخصية وسهولةُ الحصول على الرعاية الصحية وتطور الصناعة الدوائية.
لماذا تعيشُ النساء أكثرَ من الرجال في مُعظمِ أنحاءِ العالم؟
يرجِعُ ذلك إلى العديدِ من العواملِ البيولوجيةِ والاجتماعية والبيئية، إذ أن للإستروجين Estrogen، -الهرمون الأنثوي- تأثيراتٍ مُضادةً للالتهابات ومعززةٍ للمناعة، وهو ما قد يحمي النساء من بعض الأمراض.
في المُقابل، قد يُثبطُ هرمون التستوستيرون Testosterone الذكري جهاز المناعة، وهو عادةً أعلى في الرجالِ، كما أنَّ النساءَ عادةً ما يلتزمنَ بنمطٍ غذائي صحي ويقدن بأمانٍ وحرصٍ أكثرَ من الرجال ويستهلكن كمياتٍ أقلَ من السجائر والكحول والمخدرات.
على الرغمِ من أنَّ الشيخوخةَ أمرٌ لا مفرَ منه، فإن اتباع بعضَ النصائح يُمكنُ أن يُقللَ من تأثيراتها:
-ابدأ بنظامٍ غذائيٍ متوازن يحتوي على الفواكه والخضروات، والحبوب الكاملة، والبروتينات الخالية من الدهون.
-مارس الرياضة لمدة 3 دقائق يوميًا، خمس مراتٍ في الأسبوع.
-تجنب التدخين الذي يُسرعُ عملية الشيخوخة، واطلب من طبيبكَ أن يضع لك خطةً لمساعدتك على الإقلاع عنه.
-أجرِ الفحوصات الدورية لدى الطبيب، والتي تعتبر أفضل طريقة للوقاية من المرض، أو علاجه مبكرًا.
-شغل عقلك واحمِ وظائفك المعرفية بالقيام بتمارين الدماغ.
الرضا والسعادة أمرانِ مُهمانِ في الشيخوخة، الكثير من كبار السن يستمتعون بتقاعدهم، مُتحررينَ من العديدِ من الالتزاماتِ والقيودِ السابقة، إذ يبحثُ البعضُ عن أعمالٍ ونشاطاتٍ جديدة، بينما يسعدُ البعضُ الآخر بقضاءِ المزيد من الوقت لأنفسهم أو مع من يحبون.
الشيءُ المُهم هو أن تظل نشيطاً لأطولِ فترةٍ مُمكنة، عقليًا وجسديًا، ووفي النهاية، يبقى عددُ الأعوام التي عشتها أحد الطرق لتحديدِ عُمرك، والذي يُدعى بالعمر الزمني Chronological age، وغالبًا لا يتقدمُ الأشخاصُ الذين يملكونُ عمركَ الزمني نفسه في العمر كما تتقدمُ أنت، وهذا ما يُعرفُ بالعمرِ البيولوجي Biological age، إذ يعتمدُ هذا العمر على مدى صحتك بشكلٍ عام، فضلًا عن لياقتك البدنية والعقلية.
ناسا بالعربي