في قرية معزولة تدعى العليات التابعة لمعتمدية عين دراهم من ولاية جندوبة، تسكن عجوز في أرذل العمر وحيدة في كوخ لا يصلح لحياة البشر، تنبعث من كل أرجائه رائحة الفقر وقد تحول لونه إلى الأسود بسبب دخان الحطب، بداخله أغطية وأفرشة مهترئة وبعض الأواني القليلة المتسخة التي يعلوها الصدأ.
خديجة عجوز في الثمانينات من عمرها، لا تتحمل ثقل الإعياء وأعباء الدهر الذي سرق منها صحتها ويريد أن يأخذ منها بصرها وجعلها تتجرع مآسي الحرمان كل يوم آلاف المرات.
عند النظر في وجهها، تجد علامات العجز والفقر قد ذابت مع علامات الحزن واليأس والوجع، أنهكها الكبر ولم يرحمها المرض الذي نخر في عظامها فلم تعد قادرة على النوم والمشي والجلوس بسبب جروح في مختلف أنحاء جسمها تتطلب علاجا طبيا. كما انها باتت تشكو من ضعف البصر.
استقبلتنا العجوز المسكينة في كوخها ثم جلست أرضا متحدية أوجاع جسمها وهي تتحسس بيدها خطوط جبهتها التي غضنتها التجاعيد وأسرعت إليها أمارات الشيخوخة.
أخذت تتحدث إلينا بنبرة متوجعة بطيئة وعيناها غارقتان في الدموع، قائلة: “نحب نموت”.
لا تملك العجوز سوى البكاء ليلا نهارا وتمني نفسها بمعانقة الموت بعد أن فقدت الأمل في حل معاناتها وانتشالها من حالة البؤس والحرمان التي تعيشها لسنوات بمنحها مسكنا تتوفر فيه أدنى شروط الحياة الكريمة ومعالجتها من الأمراض التي أنهكتها قبل أن ينال منها مرض العمى.