وجه رئيس الجمهورية قيس سعيد رسالة إلى الشعب التونسي تحت عنوان “للدولة وللحقوق والحريات دستور يحميها وللشعب ثورة يدفع عنها من يعاديها”
وقد نشرت رئاسة الجمهورية، فجر اليوم الثلاثاء 5 جويلية 2022، نص الرسالة كاملا وهو كالآتي:
“يا شعبنا العظيم
الجميع يعلم ما عانته تونس منذ عقود، وآخرها العقد الأخير، يعلم المحاولات المتكررة لضرب وحدة الدولة والتنظم داخل مؤسساتها للإنحراف بها عن خدمة المواطنين وفق ما تقتضيه مبادئ تسيير المرافق العمومية وأهمها الحياد والمساواة.
والجميــع يتذكر كيف أفلت الكثيرون من المحاسبــة، فزاد الفساد انتشارا، وتفاقمت أوضاع الشعب على كل صعيد. فساد وافتعال للأزمات، فلا يكاد ينتهي التصدي لأزمة، إلا وتم اختلاق أزمة جديدة لصرف أنظار الشعب عن مطالبه المشروعة التي رفعها في ديسمبر 2010 وما فتئ يرددها منذ ذلك التاريخ.
تفقير وتنكيل ومغالطات ومناورات، وقوانين توضع، ويعلم من وضعها بأنها لن تجد طريقها إلى التنفيذ، وقوانين أخرى توضع على المقاس لخدمة هذا الطرف أو ذاك كما وضع دستور سنة 2014، يجد فيه كل طرف نصيب.
أفرغوا خزائن الدولة وسائر المؤسسات والمنشآت العمومية، وزاد الفقراء فـقــرا وإملاقا، وزاد الذين أفسدوا في كل مكان ثراء خارج أي إطار شرعي ومشروع.
وكان الشعب التونسي في الداخل والخارج يتابع ويحتج لأنه لم تعد تخفى عليه خافية. كان يتابع، وكله حسرة على ما يحصل داخل مجلس نواب الشعب المنحل، فلا تشريعات تحقق مطالبه وآماله، ولا ممارسات مقبولة على أي مقياس من المقاييس، سب وشتم وهتك للأعراض، بل وتبادل للعنف حتى سالت الدماء. وقد طالب، في إحدى المناسبات، عدد غير قليل من أعضاء هذا المجلس المنحل حله، هذا فضلا عن الدعوات الشعبية، في كل مكان التي كانت تتصاعد مطالبة بهذا الحل واقتضى الواجب المقدس واقتضت المسؤولية التاريخية أن يتم تجميد عمل المجلس قبل حله لإنقاذ الشعب وإنقاذ مؤسسات الدولة التي كانت على وشك الانهيار. وكان لابد من التفكير الجدي في وضع دستور جديد، ولأن عملية الوضع يجب أن تكون ديمقراطية، تم الاختيار على تنظيم استشارة وطنية علاوة على حوار وطني قبل وضع مشروع دستور جديد ليعرض يوم 25 من جويلية الحالي على صاحب السيادة، عليكم أنتم يا شعبنا العظيم. ولم يوضع هذا المشروع إلا بناء على ما عبر عنه الشعب التونسي منذ اندلاع الثورة إلى غاية اتخاذ قرار تصحيح مسارها يوم 25 جويلية 2021. يا أبناء شعبنا العظيم في كل مكان إن الدستور روح قبل أن يكون مجرد مؤسسات. وهذا المشروع المعروض عليكم يعبر عن روح الثورة، ولا مساس فيه على الإطلاق بالحقوق والحريات. والغاية من إنشاء مجلس وطني للجهات والأقاليم هي مشاركة الجميع في صنع القرار، فمن تم تهمیشه سيسعى بطبيعته إلى وضع النصوص القانونية التي تخرجه من دائرة التهميش والإقصاء، والمهنة الأولى للدولة في تحقيق الاندماج. ولن يتحقق هذا الهدف إلا بتشريك الجميع على قدم المساواة في وضع التشريعات التي تضعها الأغلبية الحقيقية تحت الرقابة المستمرة لصاحب السيادة، وهو الشعب فلا خوف على الحريات والحقوق إذا كانت النصوص القانونية تضعها الأغلبية تحت الرقابة الشعبية سواء داخل المجلس الأول أو المجلس الثاني، هذا فضلا عن رقابة دستورية القوانين من قبل محكمة دستورية تسهر على ضمان علوية الدستور، بعيدا عن كل محاولات التوظيف بناء على الولاء لهذا أو لذاك. ويدعي من دأب على الإفتراء والادعاء أن مشروع الدستور يُهيء لعودة الاستبداد، لأنه لم يكلف نفسه عناء النظر في كل بنوده وأحكامه، بل لم ينظر لا في تركيبة المحكمة الدستورية، ولا في إمكانية سحب الوكالة، ولا في حق المجلس في مساءلة الحكومة، ولا في تحديد حق الترشح لرئاسة الدولة إلا مرة واحدة. فما أبعد ما يروجونه عن الحقيقة، وما أبعد ما يفترون ويذيعون عن الواقع. إن التاريخ لن يعود أبدا إلى الوراء، فلا خير في التاريخ إن كان سيعيد نفسه، ولن يعيد نفسه بكل تأكيد.
إن هذا المشروع المطروح عليكم، يا أبناء شعبنا العظيم، هو من روح الثورة ومن روح مسار التصحيح، ولا خوف على شعب قدّم آلاف الشهداء والجرحى وردد شعاره التاريخي ” الشعب يريد وبعضهم يردد أن هذا المشروع يُهيء لاختلال التوازن بين الوظائف، ألا ينظرون في القانون المقارن، ألا ينظرون في التاريخ، ألا يعلمون أن التوازن يختل لا بالنصوص، ولكن حين يهيمن حزب واحد أو تحالف واحد على كل مؤسسات الدولة. هذا فضلاً على أن المجلسين النيابيين لهما حق مراقبة الحكومة، وللشعب خاصة حق مراقبة أعضاء مجلس نواب الشعب ونواب المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وأكثر من ذلك، له حق سحب الوكالة من أعضاء كل واحد من هذين المجلسين.
يا أبناء شعبنا العظيم في كل مكان، هذه مناسبة في يوم الاستفتاء لتحقيق مطالبكم وإنقاذ دولتكم. قـولـوا نعم حتى لا يصيب الدولة هرم، وحتى تتحقق أهداف الثورة، فلا بؤس ولا إرهاب ولا تجويع ولا ظلم ولا ألم”.