ممثلون عن المجتمع المدني يحملون الدولة مسؤولية تكريس الإفلات من العقاب

يُحمل المجتمع المدني وجل المهتمين بحقوق الإنسان، الدولة وأجهزتها، وخاصة منها الأمن والقضاء، مسؤولية تكريس سياسة الإفلات من العقاب وتوفير الغطاء التشريعي لذلك، وعدم استرجاع حقوق المعتدى عليهم، من صحفيين وغيرهم، وتيسير حصانة المسؤولين من المحاسبة والعقاب، وفق ما بينه المشاركون في أشغال اليوم الثاني من اللقاء الدولي الذي تنظمه النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بالتعاون مع شركائها حول “آليات الحماية الفعالة ودور الهياكل المهنية والمنظمات الحقوقية في مكافحة الإفلات من العقاب”، اليوم الأحد 11 ديسمبر 2022، بالعاصمة.

وتتصدر الجهات الرسمية قائمة المعتدين على الصحفيين تقريبا في كل تقارير وحدة الرصد بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، وفي مقدمتهم أعوان الأمن (50 اعتداء خلال السنة المنقضية)، وفق ما أكدته منسقة وحدة الرصد خولة شبح التي لفتت إلى أن حالة الإفلات من العقاب التي تشكو منها المنظومة القضائية في تونس بسبب طول آجال التقاضي والإحساس بعدم الانتصاف من قبل الصحفيين أنتجت حالة من التراجع في نسب التشكي بسبع نقاط ونصف، لأن الضحايا أصبحوا يعتبرونه غير ذي جدوى في ظل عدم البت في القضايا في آجال معقولة.

وقالت إنه « نظرا لان المنظومة القضائية في محاسبة المعتدين كانت غير ناجزة من منظور الصحفيين أو أنها كانت بطيئة في الملفات التي يرفعها الصحفيون أمام القضاء وبالتالي فإن الإيمان بنجاعة المنظومة القضائية في محاسبة المعتدين تقلص لدى الصحفيين مما جعل لجوءهم إلى التشكي يتراجع » مشيرة في المقابل إلى أن النقطة الايجابية في الموضوع هي أن النساء الصحافيات هن الأكثر ولوجا وتوجها للقضاء من اجل التقاضي في الملفات المتعلقة بالاعتداءات الأمنية.

ويعتبر الإفلات التشريعي حجر الأساس في سياسة الإفلات من العقاب، وهو الغطاء التشريعي الإجرائي الذي يسمح بان يصبح الإفلات من العقاب ممارسة » ، وفق المحامي والناشط الحقوقي رضا الرداوي الذي أوضح أن الدولة تستند إلى نصوص قانونية لتكريس هذه الممارسات ولتكريس سياسة الإفلات التشريعي.

وتحدث الرداوي عن ثلاث حالات واضحة في هذا الصدد، تتمثل في « آلية البحث على سبيل الاسترشاد » في الفصل 31 من مجلة الإجراءات الجزائية، وهي “مؤسسة تسمح للدولة بالمساواة بين الجلاد والضحية وتضع الجميع بصفة شهود وتمنع الدفاع من أن يكون شاهدا”، كما يمكن أن يطول البحث وفق هذه الآلية لسنوات وتكون مدخلا للإفلات التشريعي من العقاب، “وهو ما تم تسجيله في أغلب الحالات التي يحال فيها أعوان وزارة الداخلية على القضاء للاعتداءات والتعذيب والقتل وغيرها”.

ويتمثل المدخل الثاني للإفلات التشريعي في الفصل 20 من المجلة والذي يفرض البت في كل شكاية ترفع أمام القضاء دون أن يحدد آجالا للبت وبالتالي “يمكن للقضية أن تبقى لسنوات دون أن يتخذ فيها القضاء أي قرار وهي بذلك مدخل للإفلات من العقاب لان المحاكمة أيضا لا بد أن تتم في آجال معقولة”، وفق الرداوي.

أما النقطة الثالثة فهي، حسب الرداوي، تتمثل في أن وكيل الجمهورية يمكنه أن يختار حكام التحقيق لتعيينهم للنظر في الملفات والقضايا التي يريدها دون أي رقابة عليه، معتبرا أن ذلك هو مدخل لصنع “أروقة تصدر الأحكام على المقاس”.

وأمام الاتهامات الموجهة دائما لوزارة الداخلية بتعدد الاعتداءات على الصحفيين وعدم محاسبة أعوان الأمن المسؤولين عليها، قال المدير العام لمكتب الاستشراف والتقييم والتحليل بوزارة الداخلية رياض الجمني إن “الأكيد أنه ليس هناك سياسة ممنهجة للافلات من العقاب وأن المؤسسة الأمنية لا تتوان في فتح التحقيقات والأبحاث الضرورية في صورة وجود شبهة ناهيك عن حالة التلبس”.

وأكد أن كل عون من قوات الأمن الداخلي يرتكب مخالفة أو جنحة أو جناية فإنه يعرض على القضاء الذي يكون له الكلمة الفصل في ظل احترام مبدأ استقلالية القضاء وشرعية الجرائم والعقوبات ومبادئ أخرى ينتفع بها رجل الأمن على غرار قرينة البراءة، مشيرا إلى أن الوزارة قامت بالعديد من المبادرات لتحقيق التواصل المباشر مع الأمنيين والصحفيين من خلال العديد من الدورات التكوينية، منذ سنة 2013.

وأضاف أن برامج حقوق الإنسان والحريات العامة هي محاور رئيسية في البرامج التكوينية للوزارة سواء كان تكوينا قاعديا أو مستمرا، مشيرا إلى أن الوزارة عملت في الإطار ذاته على تطوير منظومة التفقد والرقابة في كل الأسلاك وقامت بإحداث إدارة عامة لحقوق الإنسان ومن أهم آلياتها آلية الإنصات للشكاوي كما أنها بصدد إعداد جملة من القوانين من بينها القانون الأساسي لقوات الأمن الداخلي ومدونة سلوك قوات الأمن الداخلي لاسيما في إطار العلاقة بين رجال الأمن وبقية الهيئات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

*وات

Comments are closed.