المبادرة الوطنيّة من أجل حكم ناجع

عاشت تونس ثلاثة محطّات انتخابيّة كبرى منذ المصادقة على دستور 26 جانفي 2014. ولعلّ أبرز ما جاء به دستور البلاد هو تفتيت السلطة بين السلطة التشريعيّة (البرلمان) والسلطة التنفيذيّة برأسيها (رئاسة الجمهوريّة ورئاسة الحكومة). وهو ما أدّى إلى ضياع المسؤولية وإلى العجز على ملاحقة ألف مشكلة تتطلّب سرعة اتخاذ القرار بعيدا عن المناكفات السياسيّة والحسابات الحزبيّة الضيّقة. كما أدّى ذلك إلى استمرار المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة، لا بل ومزيد تأزيمها. وهو ما نتج عنه معاناة التونسيّات والتونسيين…
كما يشهد تاريخ تونس أنّ كلّ نجاحات البلاد كانت في ظلّ دولة مركزيّة، وذلك لعدّة أسباب من بينها ما هو جغرافي أو حتّى ما هو ديمغرافي. وهو ما ينتج عنه أنّ فكرة تفتيت السلطة بين ثلاثة رؤوس لا يفيد لا البلاد ولا العباد. إذ لا بدّ من تركيز السلطة في رأس واحد للسلطة التنفيذيّة وتحمّل كلّ طرف لمسؤوليته السياسية أو الاقتصاديّة حتّى تنجح البلاد في تجاوز تعثّراتها ومشاكلها بصورة أسرع ممّا عليه في نظام برلماني ثلاثيّ الرؤوس فاشل ومهترئ.
—–
بناءً على ما سبق يبدو أنّنا أصبحنا مُطالبين بالعودة إلى نظام رئاسي مقنّن ومُراقب من طرف البرلمان (بغرفة واحدة أو غرفتين). هكذا يتحمّل رئيس الجمهوريّة مسؤوليّاته في اختيار رئيس الحكومة، وأعضائها. ويمكن للشّعب والبرلمان أن يُحاسبه عن كلّ خياراته السّياسية دون تهرّب من المسؤولية مثلما هو واقع الحال في تونس. ولا يعني هذا مطلقا العودة بتونس إلى مربّع نظام رئاسي عانت منه تونس والتونسيّين. بل الغاية هي تأسيس نظام حكم ناجع. وتتوجّه فيه السلطة التنفيذية رأسا إلى حلّ كلّ المشاكل بعيدا عن الصّراعات الحزبيّة والتحالفات المشبوهة.
—–
تحتاج تونس اليوم إلى تكاتف مواطنيها من أجل رصّ الصفوف والعمل على الخروج بتونس من مآزقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية… وذلك بالعمل أوّلا على تغيير النظام السياسي. ومن ثمّ العمل على حسن اختيار ممثّليهم في السلطتين التنفيذية والتشريعيّة من أجل تكريس نهائيّ لقيم الجمهورية والديمقراطية والعدالة والحرية.
لذا نتقدّم ” بهذا المشروع الفكري السياسي الإصلاحي” إلى عموم التونسيّات والتّونسيين بغاية إنهاء حالة الضّياع التي تعيشها الساحة السياسيّة في تونس بسبب وهن دستور 2014. آملين دعم هذا الطرح الفكري السياسي والالتفاف حوله من أجل ترسيخ جمهوريّة مستقلّة، وحرّة، وديمقراطيّة، نعيش فيه أوضاعا أفضل..
كما أنّ “هذا التمشي الفكري السياسي ” ليس بديلا سياسيّا لأيّ طرف كان لا يمينا ولا وسطا ولا يسارا ، بل الغاية الأساسيّة منه هي إنهاء حالة العطالة التي يعيشها النظام السياسي الحالي متعدّد الرّؤوس، ومحاولة إرساء نظام حكم ناجع وفعّال. لذلك نساند قيس سعيد في قرار تغيير النظام السياسي وتنقيح الدستور
عاشت تونس حرّة مستقلّة أبد الدهر

بقلم نورالدين بلقاسم

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*