لا تسقطوا نخيل الحوار بجفاف العنجهية

أنا ابن تونس عشت و ترعرعت في العاصمة بين باب بحر و حي التضامن
حياتي المهنية في اغلبها كانت بالجنوب التونسي بين قبلي و معتمدية مارث بقابس
إلى جانب اصولي بين الكاف و العاصمة
أقرأ و اتابع بكل اهتمام التطورات المتعلقة بإحتجاجات شباب تطاوين
و كنت قد فهمت و عشت جزء من التفاصيل المتعلقة بحياة اهلي في الجنوب التونسي الذي كان و سيظل جزء لا يتجزّأ من تونس و لن أزيف أحاسيس أهلي هناك و ما يعيشونه من ويلات الطبيعة و السياسة
و ها أنا أرى اتهامات بالخيانة و العمالة لإحتجات شباب تطاوين الذي و إن أخطأ اصحاب الاحتجاج في عديد النقاط و تسرعوا في بعض التصريحات و ربما طريقة الاحتجاج كانت فيها نقص في منهجية التدرج لكني أسبب ذلك عموما لحداثة عهد هؤلاء الشباب بمنطق الاحتجاج فحتى الاحتجاج تجربة و تراكم لتلك التجربة
اليوم أرى بعد جولة من المفاوضات حول تفعيل إتفاق أمضي في سنة 2017 من قبل حكومة يوسف الشاهد و هؤلاء الشباب أن المفاوضات وصلت مرة أخرى إلى طريق صعبة عن نفسي كنت من البداية اي من سنة 2017 قلت أن الاتفاق الذي تم امضاءه كان عليلا و هشّا من جهة فرص تطبيق كل بنوده لعديد العوامل اهمها حرص الحكومة على إنهاء الاحتجاج آنذاك بأي ثمن و حرص المحتجين على تحقيق المطالب حرص لم يكن خاضعا لمنطق الواقع من جانب الطرفين دون لوم على الطرفين فلا يحكم على الامر بموضوعية تامة الا من علم اكراهات السلطة و عايش صعوبة الواقع الذي يعيشه عموما كل الجنوب التونسي و الحقيقة ان الواقع الصعب نفسه نجده في الشمال الغربي و مناطق في الساحل التونسي و حتى في حي هلال و السيدة و الملاسين على بعد مئات الأمتار من قصر الحكومة
المنطق السليم اليوم هو أن يفهم الكل حكومة و شعبا أن مصيرنا ليس الا مصير واحد فهل هناك منتصر فيما حصل بعد توقف إنتاج الفسفاط في قفصة ؟ و هل سيكون هناك منتصر لإيقاف الانتاج في تطاوين ؟ فلا منتصر الا الوهم الذي غرس لدى الجميع بكوننا لسنا شعبا نعيش تحت واقع واحد أو الوهم الثاني الذي يرى الدولة آلة مختلفة عنا و لسنا نحن أحد مكوناتها الأساسية و وهم غرس في السلطة أن الاحتجاج خيانة و البعض منه مؤامرة
اليوم أقول أن الحكمة الحقيقية ليست بالدعوة إلى دفع الامور إلى الأقصى من كلا الطرفين الطرف الداعم لمنطق الدولة و الطرف الداعم لمنطق الاحتجاج اليوم كل القوى الخيرة الحقيقية في هذه البلاد عليها أن تدفع باتجاه حل يحفظ هيبة الدولة و كرامة المُطالب و أن تغذية منطق العداء بين المحتجين و الدولة أراه منطقا غير مقبول سواء الآن أو في أي ظرف آخر فالأصل أنه في لحظات الازمات على الجميع ان يدفع باتجاه المحافظة على تماسك المجتمع و الدولة
و أقول للمحتجين لا تقعوا في فخ الشك في النوايا مع دولتكم تونس التي ليس لأحد مهما كبر أو علا شأنه أن ينكر حق الجميع في ثرواتها و خيراتها أقول ذلك ليس من موقع حكيم بل من موقع مواطن مثلي مثلكم لا اختلاف و أقول للسلطة لا تقعي في فخ اليأس من الحل
و إني أعول على فسح مجال أكبر من قلب أكرمكم في بعض التنازل و لو أني أعلم أن التنازلات مسارها طويل في التاريخ لكن هذا واقعنا و هذه تونسنا و علينا جميعا أن نجد كل السبل لتذليل صعاب اليوم حتى يكون الغد
افضل و أجمل
خصوصا أن نقطة واحدة بقيت عالقة حول تشغيل 1500 عاطل في الشركات البترولية فلا يبحثن احدكم عن إقامة حجة على الآخر فهذا لا يعني من الامر شيئا فلا الدولة تنجح عندما تقول انها استجابت ل 80 بالمائة من المطالب و لا المحتجون ينجحون اذا قالوا انهم سهلوا الوصول للاتفاق لكن الدولة رفضت فكلاكما مسؤول عن مستقبل تونس مع اختلاف المواقع و الدور فأفق الحلول أرحب من جدران الرفض
تونس لنا جميعا و الدولة دولتنا جميعا و الشعب كله ملة واحدة
و أعلم أن كلامي هذا لن يرضي انصار منطق الدولة و لا انصار منطق الاحتجاج لكني اخترت طريق منطق الوطن الذي يجمع الدولة و الشعب حتى يكون الوطن جمعا بين هيبة الدولة و كرامة المواطن
و إني على ثقة في خير زرع في نفس الجميع لا يأس منه شعبا و سلطة فلا تسقطوا نخيل الحوار بجفاف العنجهية .

القاضی وليد الوقيني

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*